الوقت- في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بحشد قواتها العسكرية في مياه الخليج الفارسي لمراقبة مضيق هرمز الاستراتيجي من أجل تنفيذ العقوبات النفطية ضد طهران، ووقوع بعض العمليات التخريبية المشبوهة والمزعزعة للاستقرار في الأيام الأخيرة ضد بعض السفن الإماراتية والسعودية التي كانت ترسو في ميناء الفجيرة الإماراتي، فضلاً عن تزايد التوترات في المنطقة عقب إطلاق عدد من الصواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية قبل عدة أيام قيام وزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي" بزيارة قصيرة إلى طهران ولقاء بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية.
ولم توضّح وزارة الخارجية الإيرانية تفاصيل بشأن الزيارة التي قام بها وزير خارجية عُمان، مكتفية بالقول عبر بيان مقتضب إن "ابن علوي" بعد وصوله إلى طهران، ناقش مع نظيره الإيراني "محمد جواد ظريف" العلاقات الثنائية، وأهم القضايا الإقليمية والدولية. ولكن العديد من المصادر الإخبارية أفادت بأن زيارة وزير الخارجية العماني جاءت في ظلّ تصاعد التوتر بين أمريكا وإيران، ولفتت تلك المصادر إلى أن "ظريف" ردّ في تغريدة له يوم الاثنين الماضي على الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، مشدداً على أن الإرهاب الاقتصادي والتهديد بالمذابح الجماعية لن يقضيا على إيران.
يذكر أن العديد من الدول من بينها سلطنة عمان والعراق واليابان أعلنت استعدادها للتوسط بين طهران وواشنطن لتخفيف التوتر بين البلدين.
وكانت عمان قد اقترحت في وقت سابق من الشهر الحالي أن تلعب دور الوساطة في التوترات المتزايدة بين طهران وواشنطن، وحول هذا السياق، قالت سفيرة سلطنة عمان لدى أمريكا "حنينة المغيري" في مقابلة أجرتها مؤخراً: "إن بلادها مستعدّة للعب دور في حل التوتر بين إيران وأمريكا"، وهنا يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، ما هو مضمون هذه الرسالة التي حملها "ابن علوي" إلى طهران وما هو التفسير الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الزيارة المفاجئة؟
بطبيعة الحال، إن محتوى هذه الرسالة قد يتمثّل في فرضيتين قريبتين من الواقع، الفرضية الأولى هي أن أمريكا بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في المنطقة، ولا سيما عملية إطلاقها صواريخ على سفارة واشنطن في العاصمة العراقية بغداد، تريد أن ترسل لطهران تحذيراً جدّياً بشأن الدخول في مواجهات عسكرية، وفي هذا الصدد، أشار بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إلى أن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" قام بإجراء مكالمة هاتفية مع السلطان "قابوس بن سعيد" سلطان عُمان تحدّث فيها عن التهديدات التي تشكّلها إيران في المنطقة، حسب تعبيره.
ومع ذلك، فإن احتمال صحة هذه الفرضية منخفض للغاية وذلك لأنه، أولاً: لا تحتاج أمريكا إلى وسيط لنقل هذا التحذير، وكما كان الحال من قبل، يمكن للمسؤولين الأمريكيين الإعلان عن هذه التهديدات عبر وسائل الإعلام (مثل "تويتر" الذي يعدّ من أهم وسائل الإعلام المفضّلة لدى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب")، وثانياً: إن تغيير أماكن انتشار القوات في المنطقة يمكن أن يعطي تحذيراً أكثر واقعية للجمهور المخاطب أفضل من إرسال رسالة تهديد له.
ومن ناحية أخرى، كان التحرّك الأمريكي بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة على عكس ما روّجت له وسائل الإعلام الغربية والعربية حول اقتراب موعد الحرب بين واشنطن وطهران، حيث وصف الرئيس الأمريكي "ترامب" تلك الأخبار بأنها وهمية.
لهذا وبالنظر إلى جميع تلك المعطيات، يمكن القول بأن الفرضية الثانية تتمثل في أن زيارة "ابن علوي" لطهران لم تأتِ لتحذير السلطات الإيرانية من هجوم أمريكي، وإنما حملت تلك الزيارة في طيّاتها لعب دور الوسيط لفتح أبواب التفاوض بين طرفي النزاع، ونقل ردّ طهران حول الجلوس على طاولة المفاوضات إلى مسؤولي البيت الأبيض.
بطبيعة الحال، كان ردّ طهران على هذا الطلب هو ردّ سلبي، لأن إيران تعلم جيداً بأن أمريكا لا تسعى للتفاوض ولديها نظرة أحادية على طاولة المفاوضات.
وعلى الرغم من أن واشنطن تسعى جاهدة لفتح الباب للحوار مع طهران، إلا أن الرئيس "ترامب" لديه الكثير من الشكوك حول تأثير تلك العقوبات التي فرضها في وقت سابق على طهران، على الرغم من مزاعمه حول أنه سوف يرغم إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات والاتصال به.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس "ترامب" يحتاج كرته الذهبي المتمثل في إرغام القادة الإيرانيين على الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ولكن عدم تجاوب طهران مع رغبات "ترامب" تلك، أجبره على إرسال وساطة لإقناع الجانب الإيراني بالموافقة على الجلوس على طاولة المفاوضات.
من ناحية أخرى، يمكن القول هنا بأن إرسال وسيط في الأوضاع الحالية له معنى آخر، يتمثّل في خوف أمريكا من الدخول في صراع عسكري غير مرغوب فيه مع إيران، وهذا الأمر يتماشى أيضاً مع سياسات، ومصالح عُمان في المنطقة، كونها هي المسؤولة عن تأمين سلامة ممرات المياه لسفن الشحن في مضيق "هرمز" الاستراتيجي، وكذلك يؤمن قادة السلطنة دائماً بضرورة إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة كشرط أساسي لتنمية بلادهم التي تعتبر من أهم مصادر النفط في المنطقة.