الوقت- لطالما ارتبط الحديث حول الملف الكردي بالإنفصال، ولطالما لقيت الجماعات الكردية دعما خارجيا ووعودا بالإنفصال، الأكراد والذين يرتكز وجودهم في تركيا وسوريا والعراق وإيران فضلا عن أرمينيا ودول أخرى من العالم لكن بأعداد قليلة تتفاوت وجهات نظرهم حول إنفصالهم عن الدول التي عاشوا فيها ولسنوات كثيرة فضلا عن اختلافهم حول مجموعة قضايا متعددة في كيفية الإدارة والعلاقات السياسية والإرتباطات مع العالم الخارجي والمكونات المؤثرة أقليميا ودوليا، ولعل الحرب الأهلية التي اندلعت في أواسط التسعينات بين الأحزاب الكردية العراقية دليل على انقسام وجهات النظر هذه من جهة والتأثيرات الخارجية من جهة أخرى، في هذا المقال سنسعى إلى تسليط الضوء على جملة من المعوقات الأساسية التي تقف حائلا أمام تشكيل الدولة الكردية من جهة وعن مدى جدية هذا الطرح من جهة اخرى، إلى الحديث عن السياسات المحركة التي تقف خلف هذه القضية مستفيدة في سبيل تحقيق منافع ومكاسب لها.
معوقات ذاتية
1- تتعدد الأسباب والمعوقات التي تقف بوجه طرح الملف الكردي إن صحت التسمية، جزء أساسي من هذه المعوقات هي في حقيقة الأمر معوقات ذاتية وليست خارجية، فواحدة من أهم الإختلافات الأساسية بالنسبة للقيادة الكردية مردها الجذور الفكرية والعقائدية وهي خلافات عميقة لها تأثير على الساحة الكردية، فالإختلافات الفكرية والعقائدية المتداخلة بين المذهب الذي يشمل فئات تعتقد بالمذهب السني ومنهم الشيعي وآخرون يدينون بالمسيحية فضلا عن المجوسية ناهيك عن الإيزيديين إلى من لا يعتقد بأي من تلك الأديان، هذا إلى العرق والأصل فمنهم الطوالش والكيلانيون والهزارة والفرس والطاجيك والعرب والترك. هذه الإختلافات تلقي بثقلها على الثقافة والأعراف لدى الجماعات الكردية. هذا إلى اللغة واللهجات الموجودة كاللغة الكردية الكورانية والظاظا والتركية والفارسية والعربية، إلى اللهجات المحلية للغة الكردية كالسورانية والباجيلانية واللكية وغيرها الكثير.
2- تختلف رؤية الأكراد بالنسبة لتطورات المنطقة الإقليمية والمحلية فهي لا تتمتع بموقف واحد وهذا ما برز بوضوح في الكثير من القضايا التي شهدتها المنطقة، آخرها كان على سبيل المثال لا الحصر موقف أكراد العراق من الحملات العدائية التي شنتها الطائرات التركية على بعض القرى العراقية الكردية، ومسئلة التمديد لرئاسة برزاني بعد تمديد لسنتين عام 2013 بعد أن كان قد تجاوز الدورتين، ويعود مرد ذلك كله إلى الخلافات بين الأحزاب الكردية والتي تلقي بظلها على علاقات الأكراد فيما بينهم، إذ تتبلور المواقف اتجاه القضايا وفق هذه الخلافات والتي يرشح عنها ايضا نسج علاقات وارتباطات مع الخارج متضادة وغير منسجمة.
3- تداخل المناطق أيضا من المعوقات الأساسية التي تقف حائلا أمام طرح الملف الكردي ككيان مستقل، فالقرى الكردية والمدن متداخلة بشكل ملحوظ في بعض المناطق مع العرب، فتتواجد قرى كردية يحازيها قرى سكانها من العرب وهكذا دواليك وهو ما يظهر أن الأكراد هم جزء لا يتجزأ من التركيبة والنسيج المجتمعي للدول التي يعيشون فيها.
4- القدرة المالية والإقتصادية المحدودة والتي تعد عاملا اساسيا لبناء أي دولة وكيان، فضلا عن التبعية التي لا يمكن فصلها لإقتصاد المناطق الكردية عن الواقع والتركيبة المجتمعية في المناطق الكردية، هذا إلى النسبة السكانية حيث يبلغ عدد الأكراد في البلدان الأربع الرئيسية ما بين ال30 إلى 38 مليون بحسب التقديرات الأخيرة وهي نسبة منخفضة نسبيا مع الاخذ بعين الإعتبار الإختلافات والمعوقات الذاتية سابقة الذكر، وتجدر الإشارة إلى أن الأكراد أنفسهم يختلفون اختلافا عميقا حول قضية الإنفصال، فأكراد ايران يعتبرون أنفسهم جزءا اساسيا لا ينفك أبدا عن المكون الإجتماعي للجمهورية الاسلامية الايرانية، وهو ما ينفرد به أكراد ايران بشكل متميز عن باقي أكراد الدول الثلاث المتبقية.
معوقات خارجية
1- السبب الأول والرئيس في المعوقات الخارجية يعود إلى العناصر اللاعبة في المنطقة والتي اخذت من موضوع الأكراد فرصة للعب على المصالح وضرب المصالح المتضاربة، وبالتالي فالقوى الخارجية التي تعمل على وعد الأكراد بالإنفصال هي ليست جادة، فامريكا في بداية الأربعينيات وبهدف ضرب الإتحاد السوفياتي ومصالحه في العراق دعمت الأكراد لهذا السبيل، وهي اليوم وفي سبيل مشروعها التفكيكي للعراق وسوريا والمنطقة اتخذت من الملف الكردي ورقة ضغط في هذا السبيل.
2- العامل الخارجي الإضافي والمؤثر على القضية يأتي من المعارضة الشديدة للجيران، فتركيا على سبيل المثال تقف حائلا قويا امام تشكيل حتى قوة كردية في سوريا والعراق تخوفا من أن ينعكس مردود ذلك على أكراد بلادها والذي يبلغ نسبتهم ما يقارب 25% من سكان تركيا، وإن كانت تركيا تدرك أن مشروع قضية الأكراد الذي تستفيد منه أمريكا ما هو إلى ورقة لتحقيق منافعها إلا أنها ترى تشكيل قوة لهم خطرا عليها. هذا بالإضافة إلى أن الدول التي تضم الأكراد ترى في فصل القسم الكردي عن بلادها مشروعا لا يخدم مشروع وحدة البلاد، وهو يخالف انسجام كيانها وتركيبتها.