الوقت- انتشرت قبل عدة أيام الكثير من صور الأقمار الصناعية التي أكدت للعالم أجمع بأن السعودية تقوم بأنشطة نووية في الجانب الجنوبي الغربي لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية الواقعة في العاصمة السعودية الرياض، وأشارت تلك الصور إلى التقدم الكبير الذي حققته السعودية في بناء البنى التحتية والتأسيسات اللازمة لصنع مفاعلها النووي الأول وإطلاقه في المستقبل القريب وحول هذا السياق، أعلنت الحكومة السعودية عن خطّتها لبناء وصنع 16 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2030، قائلة إن الهدف من البرنامج هو تقليل اعتماد قطاع الطاقة على النفط والغاز واستخدام الطاقة النووية لتأمين جزء من الاحتياجات الداخلية للكهرباء.
وفي سياق متصل، أعربت "رويترز"، بأن السعودية تخطط لإطلاق مزاد بمليارات الدولارات في عام 2020 لبناء مفاعلين للطاقة النووية.
ووفقاً لما صرّح به المسؤولون السعوديون، فلقد تعاقدت الرياض مع خمس شركات عالمية لبناء هذين المفاعلين النوويين في السعودية ولفت المسؤولون السعوديون إلى أن تلك الشركات توجد في أمريكا والصين وروسيا وفرنسا وكوريا الجنوبية، ومن جهته أكد نائب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، "ميخائيل تشوداكوف" بعد زيارة قام بها إلى الرياض في يناير الماضي، أن السعودية أحرزت تقدماً ملحوظاً في تطوير بنيتها التحتية للطاقة النووية وفي السياق ذاته، أعرب "روبرت كيلي"، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومدير معهد أبحاث "الاستشعار عن بعد" التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، قائلاً: "من المرجّح أن يتم الانتهاء من بناء هذا المفاعل خلال التسعة أشهر القادمة".
خلافات بين الكونغرس الأمريكي وحكومة "ترامب" حول البرنامج النووي السعودي
لقد تسببت الطموحات السعودية بامتلاك مفاعلات نووية عن طريق إقامة جسر تعاون مع حكومة "ترامب"، إلى حدوث نزاعات بين الكونغرس الأمريكي والبيت الابيض.
في الواقع، لقد أدّت حادثة اغتيال الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" المعارض والناقد السياسي لسياسات "محمد بن سلمان" في القنصلية السعودية في اسطنبول إلى ظهور الكثير من المخاوف بين السياسيين الأمريكيين وخاصة في الكونغرس بشأن سياسات القمع وزعزعة الاستقرار التي ينتهجها "ابن سلمان" في المنطقة.
وفي هذا السياق، أعتبر عدد من ممثلي الكونغرس الأمريكي بأن السعودية النووية تحت قيادة "محمد بن سلمان"، ستشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني ولقد أصبح هذا القلق أكثر وضوحاً عندما صرّح ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" قبل عدة أيام، قائلاً: "إذا تمكّنت إيران من إنتاج أسلحة نووية، فإن السعودية ستبذل الكثير من الجهود لإنتاج أسلحة مماثلة".
وفي هذا الصدد، أكد "أمانو"، رئيس وكالة الطاقة النووية قبل عدة أيام أن السعودية يجب عليها أن تتعاون مع برنامج الوكالة الدولية للطاقة النووية للتفتيش وغيرها من التدابير قبل استيراد الوقود النووي إلى مفاعلها النووي، وأضاف قائلاً: "إن السعوديين لم يتعاونوا جيداً مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ونحن حالياً في هذه المرحلة نعمل على إيجاد جسور تواصل معهم لحلّ جميع الإشكالات".
ولقد زادت حدة الانتقادات والقلق الداخلي والدولي عقب إصدار الكونغرس الأمريكي تقريراً قبل حوالي ثلاثة أشهر، كشف فيه بأن حكومة "ترامب" تقوم بتقديم الكثير من المساعدات للجانب السعودي في المجال النووي من دون الاهتمام بالاعتبارات القانونية والأمنية، ووفقاً لهذا التقرير، أعرب الخبراء عن قلقهم من أن التكنولوجيا المتطورة التي تقدمها واشنطن للرياض قد تساعد الجانب السعودي في تصنيع سلاح نووي.
لقد دفعت هذه الانتقادات المتزايدة والإعلان عن قرب الانتهاء من بناء مفاعل نووي سعودي في المستقبل القريب، وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، إلى التصريح خلال مقابلة تلفزيونية بأن "البيت الأبيض لن يسمح أبداً بوجود قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط قد تهدد أمن أمريكا وإسرائيل".
وفي سياق آخر، أثارت تصريحات ومواقف الزعماء السعوديين أيضاً الكثير من المخاوف والشكوك داخل الأوساط المحلية والعالمية، ففي 23 مارس 2018، قال وزير الطاقة السعودي "خالد الفليح" في مقابلة صحفية: "من الطبيعي أننا لن نقوم باستخدام اليورانيوم المخصب الذي تبيعه بعض الدول الأجنبية لتزويد مفاعلاتنا بالوقود". وبالإشارة إلى احتياطيات اليورانيوم في البلاد، أكد الوزير السعودي: "ليس من المنطقي أن نستخدم اليورانيوم المخصب الذي تنتجه بعض الدول الأجنبية لتزويد مفاعلاتنا بالوقود ولدى السعودية الكثير من احتياطات هذه المعدن الثمين"، ولفت إلى أن السعودية وقّعت اتفاقية مع الشركة النووية الوطنية الصينية للكشف واستخراج احتياطيات اليورانيوم من جبال السعودية.
وهنا يمكننا القول إن هذا التهديد السعودي سيدفع أعضاء الكونغرس الأمريكي لمراقبة أدق التفاصيل في العلاقة بين البيت الأبيض والسعوديين، ويجعل العلاقة مع الرياض عرضة للتهديد في أي وقت، خاصة بعد القانون الذي أصدرته واشنطن حول الحرب في اليمن والذي من شأنه أن يبعد الرياض عن واشنطن.
وبهذا كله، فإن أبرز المخاوف التي تخشاها واشنطن تتمثل في نوع ردّ الفعل الإماراتي، والتغييرات التي قد تقوم بها أبو ظبي في الاتفاقية النووية التي وقّعت عليها العام الماضي مع عدد من الشركات الأمريكية لبناء محطات نووية، والتعاون التركي مع وكالة الطاقة النووية الروسية لبناء المزيد من المفاعلات النووية خاصة وهي تقوم حالياً بمراقبة البرنامج النووي السعودي عن كثب.
لقد دقت كل هذه القضايا ناقوس الخطر في منطقة الشرق الأوسط ببدء مرحلة جديدة من التنافس النووي في المنطقة خلال السنوات القليلة القادمة.