الوقت- بعد أشهر على اكتشافها، أصدرت محكمة الجنايات العمانية، أمس الاثنين، حكمها في قضية خلية التجسس الإمارتية التي أُعلن ضبطها في مارس الماضي بإدانة 5 أشخاص من دولة الإمارات.
الأحكام التي جاءت تحت عنوان "التخابر في زمن السلم" استقرت على 10 سنوات لأغلب المتهمين، وقد يكون هناك أحكام أكبر لم أعرف عنها بسبب سرية الجلسات، وتم محاكمة المتهمين كلٍّ على حدة، وفق الصحفي العماني المختار الهنائي.
تأتي الأحكام الجديدة بعد أشهر على نشر الكاتب والإعلامي العُماني موسى الفرعي سلسة تغريدات جاء فيها: " فإن برأتم من تهمة الحسابات الوهمية وما تجرّه من فتنة فمن أين ستأتي البراءة من خلية التجسس السابقة والتي تم الإعلان عنها، والثانية التي سيفصح عنها قريباً... أما شعارات الأخوة التي تتغنون بها، فهي كلمات لا تتجاوز حناجركم.. مشكلتكم أن أصواتكم لا علاقة لها بأفعالكم وشتان بين أخ يحتضنك وآخر يتحيّن فرصة لطعنة في الظهر".
ليست المرّة الأولى التي تقدم فيها أبو ظبي على التجسس على السلطنة، ويبدو أنها ليست الأخيرة، فقد أعلنت السلطنة عام 2011 عن "تفكيك شبكة تجسس إماراتية تستهدف نظام الحكم في عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري"، ليسارع حينها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لمحاولة احتواء الأزمة عبر اصطحاب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى السلطنة وتقديمه اعتذاراً مباشراً للسلطان قابوس بن سعيد.
لم تفجّر أزمة التجسس السابقة مجلس التعاون الخليجي شكلاً، وإن فجّرته مضموناً، لكنّ الأزمات اللاحقة التي عصفت بمجلس التعاون، وكان للإمارات اليد الطولى فيها، قد فكّكت هذا المجلس شكلاً ومضموناً.
خلافات تاريخية
هناك جذور تاريخية للخلافات بين البلدين، تعود إلى فترة حكم الشيخ زايد الذي سعى لاختراق العمانيين المناطق المجاورة لإمارة رأس الخيمة وكسب ولائهم للتخلي عن الجنسية العمانيّة مقابل الحصول على الجنسيّة الإماراتيّة.
كما أن خلاف ابن زايد مع السلطان قابوس ليس بالأمر الجديد، فقد عمد ولي عهد الإمارات في منتصف التسعينيات إلى تسريح آلاف الأشخاص في الجيش والشرطة بسبب أصولهم العُمانية، الأمر الذي تسبّب بحالة من التوتّر في العلاقات باعتباره تخويناً للشعب العماني.
لكن أزمة التجسس عام 2011 شكّلت مفصلاً في العلاقة بين البلدين، لأنها هدفت إلى إسقاط السلطان قابوس، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم، كما كان الهدف من شبكة التجسس الإماراتيّة عام 2011 التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي.
لم تتّعظ الإمارات من خلية التجسس، مواصلة سياساتها العدوانيّة تجاه السلطنة، ففي العام 2015، عمدت الإمارات إلى عمليات شراء واسعة لأراضٍ وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود مع الإمارات، عبر تقديم أموال طائلة لشخصيات قبلية في ولاية مدحاء العُمانية الواقعة ضمن الأراضي الإماراتيّة.
لاحقاً، وبعد بدء العدوان على اليمن، عمدت الإمارات إلى الدخول إلى محافظة المهرة اليمنية وشراء ولاءات قبلية، وهي المحافظة المعروفة بقربها وصلتها مع السلطنة.
في العام 2018 عرضت الإمارات خريطة في متحف اللوفر في أبوظبي ضمتّ فيها محافظة مسندام العُمانية إلى الإمارات الأمر الذي دفع بالسلطنة لاتهام الإمارات بسرقة تاريخها، وهو الأمر الذي تكرّر أيضاً في فيلم وثائقي تحت عنوان "زايد الأول ذاكرة ومسيرة" بُث في مارس 2018، بعدها، وفي العام نفسه تحدّث المغرّد السعودي الشهير "مجتهد" على التويتر عن مؤامرة يقودها الأمير محمد بن زايد عبر محمد دحلان لدعم المعارضة العمانيّة في مسندم وظفار.
اليوم وبعد كل ما حصل، تعلن السلطنة عن خليّة تجسس جديدة، فهل ستنفجر العلاقة بين البلدين إلى غير رجعة؟
لا نعلم جيّداً الأسباب التي تدفع بالسلطان قابوس للتريّث إلى هذا الحد أمام الإمارات، الأمر الذي قد يفهمه البعض نوعاً من العجز والضعف، ولكن ما نعلمه جيّداً أن هناك العشرات من خلايا التجسس النائمة والنشطة للإمارات في السلطنة، ومثلها في قطر والبحرين، وأضعافها في السعوديّة واليمن.
يشير تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن الإمارات أصبحت مركزاً عالمياً للتجسس، كذلك كشف تحقيق لوكالة رويترز، أن الإمارات سعت من خلال فريق تجسس يضم عملاء سابقين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وباستخدام تكنولوجيا “كارما” البرمجية إلى التجسس على هواتف مئات الأهداف منها شخصيات بارزة، كأمير قطر تميم بن حمد.
في اليمن أيضاً، أعلنت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إن ما قامت به الإمارات من اختراق لهاتفها أسوة بعدد من الزعماء والناشطين، أمر مؤسف للغاية وانتهاك صارخ لخصوصياتهم، وقد تضمّنت حينها اللائحة مسؤول الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، ومسؤول تركي رفيع، والناشطة اليمنية توكل كرمان.
يبدو جليّاً أن التجسس بات أحد أبرز أركان السياسات الخارجيّة للإمارات، وهو الأمر الذي تسعى من خلاله للعب دول إقليمي ودولي يفوق حجمها الجيوسياسي، ولكن في الوقت عينه تشير الوقائع إلى وجود قسم خاص معني بالتجسس على السلطنة لإسقاطها، لاسيما أنها من يسيطر على مضيق هرمز الاستراتيجي. في المقابل، لم يعد الحياد الذي أجادَه السلطان قابوس مجدياً مع الإمارات كما يبدو، وبالتالي لا نستبعد قطيعة علنيّة بين البلدين خشية أن يتكرّر سيناريو قطر مع السلطنة، فهل سنكون على موعد مع أزمة جديدة في مجلس التعاون؟.