الوقت- لم تكن العلاقات الإسرائيلية الروسيّة بالجيّدة، بل شكلّ التقارب الكبير بين الكيان الإسرائيلي وأمريكا، العدوّ الأكبر لروسيا، أرضيّة للتباعد الناعم مع موسكو.
لكن إعلان الرئيس الأمريكي بارك أوباما عن استراتيجيته في التحوّل نحو الشرق دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو منذ ذلك الحين لتقارب أكبر مع روسيا اللاعب الجديد البارز على الساحة الشرق أوسطيّة.
لذلك عمد نتنياهو ومنذ العام 2015 إلى تعزيز علاقاته مع موسكو عبر زيارات مكوكية بغية تعويض الضعف الأمريكي في الشرق الأوسط.
لاحقاً، وفي ظل تضارب المصالح بين موسكو والكيان الإسرائيلي في سوريا، والتي وصلت إلى مرحلة الصدام بعد إسقاط الطائرة الروسيّة، عمد نتنياهو إلى إجراء سلسلة من الزيارات المكوكيّة إلى الكرملين الذي رسم له بعض الخطوط الحمراء والتي راعت نوعاً ما المصالح الإسرائيلية في سوريا.
اليوم، ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارة جديدة إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء هو الثاني خلال أقل من شهرين، وذلك بعد أيام على زيارته "الانتخابيّة" إلى واشنطن والتي عكّرت صواريخ "تل أبيب" صفوها.
في واشنطن، قدّم الرئيس ترامب هديّة انتخابية غالية الثمن لنتنياهو تمثّلت في بـ"سيادة إسرائيل" على الجولان السوري المحتل، فما الذي يريده نتنياهو اليوم من زيارته هذه إلى موسكو؟
لا تنفصل هذه الزيارة عن الانتخابات، خاصّة في ظل عدم وجود أي مستجدات كبيرة بعد زيارة نتنياهو الأخيرة، وهذا ما أفصح عنه نتنياهو نفسه قبيل مغادرته تل أبيب حيث قال للصحفيين إنه سيبحث مع بوتين "الأحداث المتراكمة في سوريا والتنسيق المستمر والخاص الذي يجري بين جيشينا".
بعيداً عن هذا التراكم الذي تحدّث عنه نتنياهو، تعدّ هذه الزيارة التي تأتي بعد خمسة أيام فقط من انتخابات الكنيست مفصلية لنتنياهو، لاسيّما في ظل تقارب النسب مع منافسه زعيم تحالف "أزرق أبيض"، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الأسبق بيني غانتس، فهل سينجح نتنياهو في الحصول على هديّة "إعلاميّة" من الرئيس بوتين لتعزيز وضعه الانتخابي؟.
إن كلّ تصرفات نتنياهو اليوم انتخابيّة بامتياز، وهذا ما يدفعنا إلى وضع الزيارة في هذا الإطار لا أكثر، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجّه نتنياهو قبل يوم من زيارته إلى موسكو، دعوة للنجم البرازيلي نيمار دا سيلفا، نجم باريس سان جيرمان الفرنسي لزيارة الكيان الصهيوني.
نيمار وبعد ترويج واسع النطاق لفيديو نتنياهو وهو يدعو النجم البرازيلي لزيارة "إسرائيل" رحّب بهذه الدعوة، لذلك إن خطوة نتنياهو الرياضية هذه هي سياسيّة بامتياز، لاسيّما في هذا التوقيت الانتخابي القاتل.
عوداً على بدء، لا شكّ أن نتنياهو لم يكن ليقوم بهذه الزيارة التي تفصلها أيام قليلة عن الانتخابات لولا علمه المسبق بالنتائج الإيجابية، حتّى ولو كانت إعلاميّة فقط.
هذه الهديّة الثمينة تمثّلت بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستسلّم "إسرائيل"، اليوم الخميس، رفات الجندي الإسرائيلي، زكريا باومل، التي عثرت عليها القوات الخاصة الروسية أثناء عملية خاصة في سوريا.
إن هذه الهديّة الثمينة، والتي قد تترافق مع تقارير إعلامية إسرائيلية مفادها حماية "إسرائيل"، والحضور الإيراني والتنسيق مع موسكو، ستعزّز كثيراً من أوراق نتنياهو الذي سيعود هذه المرّة إلى تل أبيب كبطل قومي يدافع عن الإسرائيليين ولو بعد مرور أكثر من 37 عاماً، كحالة الجندي المفقود.
وأما ما تمّ الحديث عنه قبيل زيارة نتنياهو هي فقاعات إعلاميّة لا أكثر، لاسيّما تلك المزاعم التي تحدّثت عن "المخاطر" التي ينطوي عليها تعاظم مظاهر تمركز إيران العسكري في سوريا، ومشروع إنتاج الصواريخ ذات الدقة العالية لـ"حزب الله" في لبنان.
كذلك، حدّيث رون بن يشاي، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن طلب إسرائيلي من بوتين لعدم السماح بتولي الجيش السوري تشغيل منظومتي الدفاع الجوي "إس 300"، اللتين تمّ تزويد الجيش بهما قبل أشهر، بحجة أن هذه المنظومة تهدد الطائرات الإسرائيلية التي تعمل في أجواء سوريا ولبنان، ودولة الاحتلال نفسها.
في الشقّ الأوّل المرتبط بحزب الله، فلطالما أقدمت الطائرات الإسرائيلية على استهداف قوافل الحزب في سوريا دون إذن روسي، فلماذا يحتاج الكيان الإسرائيلي إلى هذا الأمر في لبنان حيث لا تتواجد قوات روسيّة.
إن الذي يمنع أي استهداف للحزب هو قدرته الصاروخيّة، وليس الفيتو الروسي، فلو كان هناك أي فيتو، فالأولى أن يكون هذا الفيتو في سوريا لا لبنان.
وأما في الشقّ الآخر، فهذا الأمر مرتبط بالجانب الروسي والسوري على حدّ سواء، لا نستبعد أن يقدم نتنياهو على مثل هذا الطلب، ولكن ما المقابل الذي يريده الروسي؟ وهل الجانب السوري سيقبل بهذا الأمر كونه تعرّض للعديد من الضربات الجويّة الإسرائيلية؟.
باختصار، إن هذه الزيارة هي الأقل أهمية خلال جميع زيارات نتنياهو إلى موسكو خلال السنوات الماضية بما يرتبط بالأزمة السورية، لكنها في الوقت عينه هي الزيارة الأهم على الصعيد الداخلي الإسرائيلي والانتخابات لناحيتي الشكل والمضمون.