الوقت- في واحدة من أهم الأحداث الإقليمية في الأيام الأخيرة، كانت زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، ومناقشة أهم القضايا والتطورات الإقليمية وخاصة القضية السورية.
ولا شك أن العلاقات القائمة بين موسكو وأنقرة في عهد أردوغان كانت عبارة عن علاقات متزلزلة وغير مستقرة، بينما العلاقات اليوم تدور حول محور التعاون، ولذا فإنّ أردوغان يأمل بزيارته هذه إلى روسيا ملء الفراغات والهوة في علاقاته ومصالح تركيا السياسية والأمنية مع الشريك الغربي وبالأخص أمريكا عن طريق توسيع وتطوير علاقاته مع جارته العظمى في الشمال الشرقي.
التطورات السورية.. لعب أردوغان بكرت إدلب
ازدادت سرعة التطورات السورية مع إعلان ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ما دعا الجهات الفاعلة الرئيسية في هذه القضية على إعادة النظر والتفكير ملياً في استراتيجياتها، وفي هذه الأثناء، وبالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية ستلعب روسيا دوراً أساسياً وسيكون بالتأكيد أكثر تأثيراً من ذي قبل، وعليه فإنّ السلطات التركية ترى بأنّه يتوجب عليها التماشي مع روسيا بغية تحقيق أهدافها.
قضية إدلب هي واحدة من القضايا الرئيسية ذات الأهمية المشتركة، ولكن بالطبع هناك اختلاف وفرق بين التوجهات التركية والروسية بمعنى أدق فإنّ روسيا تدعم الحكومة المركزية في سوريا، في الوقت الذي تؤيد فيه تركيا المعارضة وتقوم بدعمها. ومع ذلك، فإن التعاون بين البلدين المتأطر على شكل مؤتمرات آستانا وسوتشي تزامناً مع الوجود الإيراني ما مكّنهم من السيطرة على الصراعات ومنع الأزمة من التدهور، والتي يعتبرها كلا الجانبين أولوية في الوقت الحالي.
في هذا السياق، وفي حين أن التوترات المتصاعدة بشكل ملحوظ في إدلب خلال الأسابيع الماضية، انتهت بسيطرة إرهابيي القاعدة، ممن يسمون بـ "هيئة تحرير الشام"، ضد القوى التي تطلق عليها تركيا والغرب لقب "المعارضين المعتدلين"، فإن هذا الأمر يزيد من إمكانية إضفاء الشرعية على سيطرة الحكومة السورية على إدلب، ولذلك، فمن المرجح أن تتابع تركيا عملية القضاء على هيئة تحرير الشام في إدلب، من مصلحة تركيا عدم سيطرة الحكومة السورية على إدلب، والمصالح الروسية هي إبقاء تركيا ضمن إطار المحادثات السياسية، لأن تركيا يمكن أن تكون سبباً مساعداً لحضور المعارضين أيضاً في سوتشي بالإضافة إلى تعميق الخلافات والهوة في بنية الناتو.
لكن من بعدٍ آخر، فالتطورات في شمال سوريا ستخيّم بشكلٍ ملحوظ على المحادثات بين أردوغان وبوتين، فلقد تمكّنت الحكومة السورية، في أواخر ديسمبر عام 2018 وبعد سنواتٍ من الحرب من تحرير مدينة منبج وهو الشيء الذي لم ترغب فيه أنقرة، تريد تركيا السيطرة على المنطقة العازلة المقترحة من قبل واشنطن في شمال سوريا، إلّا أنّ وزير الخارجية الروسي لافروف قال في بيانٍ أمس إن المنطقة العازلة يجب أن تكون تحت قيادة دمشق.
تحذير أمريكا عبر منظومة الـ S-400 الروسية
على الرغم من القضايا الأساسية على جدول أعمال الجانبين، فإن الزيارة بحد ذاتها، حتى وإن غضضنا النظر عن نتائجها، فإنّها تحتوي على رسالة تحذير شديدة اللهجة لأمريكا والغرب، ووفقاً لتصريح قادة وزعماء قصر " أكا سارة "، فإنّه لم يتم مراعاة المصالح الاستراتيجية لها كما لم تأخذها أمريكا بعين الاعتبار في التطورات المهمة والمصيرية في سوريا، من خلال تقديمها الدعم للأعداء (الأكراد السوريين).
بعد أن ساءت العلاقات بين تركيا وروسيا على إثر قصف الطائرة الروسية في عام 2015 من قبل تركيا، لم تعد إلى سابق عهدها قبل القيام بهذا الأمر، وما زالت بعض العقوبات الروسية ضد أنقرة قائمة ولم تلغَ، يبلغ حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين حوالي 30 مليار دولار سنوياً، وهذا الأمر مهم جداً بالنسبة لأردوغان. بالإضافة إلى أنّ روسيا تحتاج أيضاً إلى تطوير علاقاتها مع الدول الأخرى بعد فرض العقوبات الجديدة للغرب، وخاصة المقاطعة الأوروبية لها.
في هذا السياق، فإن عدم اهتمام أمريكا بمصالح تركيا عكس ما تقوم به تجاه الأكراد السوريين يعتبر سبباً إضافياً لأنقرة لتعزيز جسور التواصل مع موسكو، لقد تمكّنت تركيا من استغلال البيئة التنافسية بين روسيا والغرب أفضل استغلال، وخلال هذه الزيارة، سيقوم أردوغان بالضغط على الغرب عن طريق إصراره على شراء منظومة S-400 بالإضافة إلى بناء محطة للطاقة النووية من قبل الروس.
قبل يوم واحد من بدء الزيارة، صرح المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كولين: " ليس لدينا أي ارتباط مشروط بين شراء صواريخ S-400 وصواريخ باتريوت"، وهذا يبين جهود أنقرة لمواصلة سياسة تعددية الأطراف، في السياسة الخارجية والابتعاد عن نهج استراتيجية المماشاة فقط للسياسات الغربية.