الوقت- بعد أن باتت قضية خاشقجي قضية الرأي العالم العربي والعالمي نظراً لقساوة وغموض طريقة قتله فلا بدّ من الاعتراف هنا بأن اتباع هذه الطريقة في قتل خاشقجي ما هو إلا نتيجة حتمية لسياسية غضّ الطرف التي اتبعها الغرب تجاه ممارسات ولي العهد الصبيانية في المنطقة.
حيث قال كاتب بريطاني في مقال له على صحيفة الاندبندنت: "إذا اختفيت، فأنت تعرف ما حدث لي"، هذا هو آخر شيء قاله الأمير السعودي سلطان بن تركي لي على تطبيق مراسلة مشفر، وكان ذلك في أوائل عام 2016، كنت أتحدث إلى هذا الأمير المنشق بصورة متقطعة - كان يعيش في منفى فرضه على نفسه في أوروبا - منذ ما يقرب من عام لكن بعد بضعة أسابيع راسلني أحد مساعدي سلطان بن تركي ليقول إنه كان من المفترض أن يجتمع مع الأمير في القاهرة لكن الطائرة لم تهبط.
وزعم الصديق أن النظام الملكي قد استدرج "سلطان بن تركي" للصعود على طائرة ملكيّة، وليس بالطائرة الخاصة المستأجرة التي حجزها في البداية، لقد تحدثت معه قبل أن يركب الطائرة ... كان يمزح، في الواقع إنه إذا لم ينجح في ذلك فمن المرجح أنه كان في الرياض ويجب أن أقرع ناقوس الخطر"، كما قال في ذلك الوقت.
سرعان ما أمضيت عامين وما زلت لم أسمع أي خبر عن سلطان. وما زال أصدقاؤه يعتقدون أنه رهن الإقامة الجبرية في العاصمة السعودية، في ذلك الوقت، بدت القصة غريبة جداً، فقط حفنة منّا غطت اختفاءه.
لكن خلال السنتين التاليتين أصبح الاختفاء جزءاً من نمط مألوف: كانت هناك تقارير متزايدة من السعودية وحول ولي العهد، بما في ذلك عمليات الاختطاف والاعتقالات الجماعية في فندق ريتز كارلتون ذي الخمس نجوم والاستهداف للمدنيين في اليمن وكانت هذه التقارير مثيرة للقلق لكن تم تجاهلها.
كما تمت الإشادة به كمصلح اجتماعي شاب لتقليص قوة الشرطة الدينية والسماح للنساء بدخول ملاعب كرة القدم والقيادة، ويذكر أن بريطانيا باعت خلال ذلك الوقت ما يقرب من 4 مليارات جنيه إسترليني من الأسلحة والعتاد العسكري إلى السعودية - في النصف الأول من عام 2017 كانت الفاتورة السعودية قد تجاوزت 1.1 مليار جنيه إسترليني لبريطانيا-، وقد أعلن العالم ترقيته إلى ولي العهد العام الماضي.
وتابعت الصحيفة البريطانية: عندما دخل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قنصليته في اسطنبول واختفى انتشر الغضب والصدمة، وتسربت بعدها أخبار القتل الوحشي والتورط المزعوم لولي العهد - كانت هناك مناقشات جادة حول بعض الإجراءات مثل إلغاء الصفقات التجارية ووقف مبيعات الأسلحة -، وجاء التفسير السعودي بأن ولي العهد القوي لم يعرف شيئاً عن خطط قتل خاشقجي، وكان ذلك علامة على واحدة من المرات التي شكك فيها زعماء العالم في خط الدولة الرسمي في السعودية.
عدد الأشخاص الذين سألوني بشكل كامل كيف حدث ذلك، وكيف يمكن أن يكون ولي العهد، المصلح الشاب، متورطًاً، في الواقع كان الأمر محبطًاً.
وقال الكاتب: "لقد أمر بحرب اليمن ولم يتراجع أحد، وأثار أزمة قطر، ولم يتراجع أحد، لقد قام باعتقال الملوك في فندق ريتز كارلتون مرة أخرى ولم يفعل أحد أي شيء"، "لم يكن هناك أي ضغوط لذلك ذهب أبعد من ذلك".
وقد أدى تصميم الغرب على غض الطرف عن الأحداث في السعودية إلى احتمال أن المحكمة الملكية شعرت بالجرأة الكافية لفعل أي شيء، حتى زُعم أنها تأمر بالتعذيب والقتل في القنصلية.
قبل عام من اختفاء الأمير سلطان، اختفى الأمير تركي بن بندر، الذي كان في السابق ضابطاً كبيراً في الشرطة، يعتقد العديد من المطلعين على الملكية أنه مات الآن، وفي نفس الفترة التي اختفى فيها الأمير سلطان، اختفى أيضاً سعود بن سيف النصر، وهو ملك ملكية ثانوي نسبياً أيّد دعوات علنية لإقالة الملك سلمان على الرغم من أن السلطات السعودية لا تعلق على ادعاءات محددة فقد أنكروا أنهم "أخفوه" قسراً.
وفي الوقت نفسه اتهم ولي العهد باختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية عندما استدعي إلى الرياض قبل عام واضطر للاستقالة في خطاب قرأه على شاشات التلفزيون من السعودية حتى تدخلت فرنسا لتحريره.
وبعد أشهر قليلة أمر ولي العهد بالاحتجاز المفاجئ لـ 200 شخص بمن فيهم الأمراء حيث احتجز الوزراء وبعض أغنى أغنياء السعوديين في فندق ريتز كارلتون بتهمة الفساد، كانت هناك تقارير بأن أحد المعتقلين تعرّض للتعذيب حتى الموت على الرغم من أن السعوديين رفضوا هذه المزاعم ووصفوها بأنها "غير صحيحة على الإطلاق".
على الرغم من إفراغ الفندق، حيث إن هذا الأسبوع يشهد مؤتمر الاستثمار الضخم في السعودية إلا أن بعض المعتقلين لا يزالون في عداد المفقودين، ومن بين هؤلاء الأمير عبد العزيز بن فهد، 45 عاماً، ابن الملك الراحل فهد والأمير خالد بن طلال، 56 عاماً، شقيق الملياردير السعودي الوليد بن طلال الذي اعتقل أيضاً، لكن بدلاً من إظهار القلق، ضحك العديد من الناس على فكرة أنّ الأمراء في سجن مذهّب.
وقد اعترف كبير المدعين السعوديين الآن بأن قتل خاشقجي كان على الأرجح "مع سبق الإصرار"، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل حول كيف أن ولي العهد لم يكن يعلم، لكن ذلك لم يخفف من المخاوف في السعودية حول أن ولي العهد قد يخضع للمساءلة أو أن القضية قد تؤثر على مكانته، بعد أن عزز قوة التاج وعزل نفسه عن العديد من فروع الأسرة، يمكن أن يؤدي عزله من منصبه إلى سقوط الملك سلمان، وهو أمر لا يريده باقي العالم.