الوقت- تستعد قطر للدخول في مرحلة جديدة فيما يخص علاقاتها السياسية مع "اليمن" وهناك توجّه واضح من قبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لمساعدة اليمن على الصعيد الإنساني والاقتصادي، وهذا يحمل في طياته أبعاداً جديدة حول الخلاف مع الإمارات والسعودية، قد يعتبره البعض انتصاراً للدبلوماسية القطرية والقدرة الكبيرة في تفريغ نار هذه الأزمة من خلال وعيها السياسي فيما يعتبره البعض الآخر تأزيماً للخلاف بين دول مجلس التعاون.
قطر تدخل عالم اليمن من بوابته الأمامية
قبل ثلاثة أعوام كانت قطر جزءاً من التحالف الذي قادته السعودية في حربها ضد اليمن، ولا شك بأن السعودية كان لديها القدرة على جذب أغلب دول مجلس التعاون للمشاركة معها في هذه الحرب، ولكن مجموعة الأحداث السياسية والعسكرية المتتالية وفشل السعودية في إرساء الأمن في اليمن وإحداثها لفوضى عارمة كلفت الدول المشاركة معها الكثير من ناحية الأرواح والسياسة، كل هذه الأسباب وغيرها حالت دون استمرار المشاركين في "عاصفة الحزم" في هذا التحالف، ليتبع ذلك أزمة قطر ومحاصرتها من قبل الإمارات والسعودية وأتباعهما، وهذا الأمر كان له تأثير غير مباشر على حرب اليمن، وفي هذه المرحلة حاولت السعودية إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن وتحقيق أي نصر ولو كان وهمياً، خاصة أن التقارير الدولية في تلك المرحلة بدأت تتزايد حول الأضرار الجسيمة التي ألحقها التحالف السعودي باليمن وانتشار الأوبئة والمجاعة، ومع ذلك لم تستطع السعودية حتى اللحظة حسم هذه الحرب، وهي اليوم تعاني الأمرّين هناك ولا يمكنها فعل أي شيء بالرغم من أنها حاولت في المهرة وغيرها لتأليب الشعب على "أنصار الله" ولكن ما حصل كان معاكساً لهذا، إذ نجد اليوم شعب المهرة يطالب السعوديين والإماراتيين على حد سواء على الخروج منها، لكونهم عكروا صفوها وهدوءها وأمنها.
من خلال هذا المشهد وجد الأمير تميم بن حمد أن الفرصة مواتية لكي تبني بلاده علاقة ودّية وقوية مع جميع أطياف الشعب اليمني عبر تقديم مساعدات مالية وإنسانية للحدّ من الأزمات الكارثية التي تحلّ بهذا الشعب، وهذا يشكّل رصيداً لها في المستقبل، وبالفعل هذا ما ذهب نحوه الأمير تميم خلال كلمته في مقر الأمم المتحدة الثلاثاء، إذ دعا إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لليمن، وتعهد بعلاج مرضى الكوليرا في اليمن، والذي انتشر جراء تداعيات العدوان على القطاع الصحي وعدم قيام دول التحالف بواجبها تجاه الشعب اليمني والذي يلزمها به القانون الدولي العام باعتبارهم قادة الحرب.
الحوار هو الحل
خلال الشهر الماضي دعا وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأطراف اليمنية إلى الجلوس على طاولة الحوار وتغليب الحل السياسي لإنهاء الأزمة اليمنية.
وقال آل ثاني في تغريدة له على حسابه في موقع "تويتر": إن التطورات في اليمن تستدعي تغليب الحل السياسي، وتفعيل حوار وطني يشمل كل الأطراف اليمنية، والتحرك الدولي لضمان حماية المدنيين، وأكد أن "المنطقة لا تتحمل المزيد من الحروب والمغامرة على حساب الأرواح".
وفي نفس السياق جدد الأمير تميم دعوة بلاده يوم أمس بالجلسة الافتتاحية للدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الأطراف اليمنية إلى المصالحة الوطنية وإنهاء الصراع الدائر منذ أربع سنوات، مؤكداً أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل الأزمات.
هذا الحل السياسي لم يقتصر طرحه على اليمنيين بل تم التلميح له عند الحديث عن الأزمة القطرية، وبالرغم من أن الأمير تميم قال في خطابه أمام الجمعية العامة إنه: "بعد مرور أكثر من عام على الحصار الذي فرضته السعودية، والإمارات، والبحرين ومصر، على بلاده "تكشفت حقائق كثيرة"، لافتاً إلى وجود "دس وافتراءات هدفت إلى افتعال الأزمة"، إلا أنه في الوقت نفسه لم يغلق الباب أمام الحوار بين الأفرقاء، حيث شدد الشيخ تميم على " ضرورة التسوية السلمية للمنازعات، وأن الحوار هو السبيل الأمثل لحل الأزمات"، وأردف: "فقد تجاوبنا، وما زلنا، مع جميع المساعي المقدرة من الدول الشقيقة والصديقة لإنهاء هذه الأزمة من خلال حوار غير مشروط قائم على الاحترام المتبادل لسيادة الدول".
وتحدث الأمير تميم أيضاً عن قدرة بلاده على مواجهة الحصار بالرغم من إلحاق الضرر بأمن قطر واستقرارها، والتضييق على شعبها والحرب الاقتصادية، ومع ذلك تمكّنت قطر من ترسيخ دورها كشريك فاعل على الساحة الإقليمية والدولية، وواصل الاقتصاد القطري نموه.
لم يقف أحد مع قطر من الدول الخليجية بشكل علني، وإن كان الموقفان العماني والكويتي واضحان في رفض الهجوم على قطر، ومن ميزات قطر أنها كسبت شعبية واسعة في الشارع العربي بدءاً من حرب تموز 2006 وإعادة إعمار لبنان، مروراً بدعمها لغزة وصولاً اليوم إلى الوضع الإنساني في اليمن، وبالتالي يملك هذا البلد الصغير قدرة على البقاء في موقع القوة أمام جميع التحديات.
وبالتالي فإن دعم قطر اليوم لليمن في مسألة الكوليرا وغيرها، لا يشكّل انتصاراً إنسانياً لها في الوقوف إلى جانب كل أبناء الشعب اليمني فحسب، بل انتصاراً واضحاً على المشروع المقابل الذي يهاجمها أيضاً في تجويع الشعب اليمني.
ختاماً.. يمكن القول إن الأزمة اليمنية تشكّل فرصة دبلوماسيّة ثمينة لنفي كل الاتهامات التي ساقتها السعودية والإمارات تجاه اليمن منذ بدء الأزمة، وفي نفس الوقت تكسب قطر على عدّة جهات: إنسانياً، سياسياً في مواجهة المشروع السعودي الإماراتي لاستهدافها، ومستقبلاً لن ينسى الشعب اليمني هذا الوقفة التاريخية.