الوقت- تنتهج السلطات الإسرائيلية أسلوب الإعتقال الإداري وهو الأسلوب الذي يُعبِّر حقيقةً عن جوهر سياسة هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني بالتحديد. ويُعتبر هذا الأسلوب إحدى المسائل التي تدل على حجم المؤامرة على القضية الفلسطينية. وفي ظل الحديث الدائر اليوم في أروقة المنظمات الحقوقية العربية والعالمية، والتي تُعنى بملف الأسرى الفلسطينيين وسياسات الكيان الإسرائيلي الظالمة، تجدر الإشارة الى مسألة الإعتقال الإداري. فما هو هذا الأسلوب من الإعتقال؟ وكيف تنتهك السلطات الإسرائيلية من خلال ممارسته، القوانين الدولية؟
ما هو الإعتقال الإداري؟
يمكن تعريف الإعتقال الإداري بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "بأنه حرمان شخص ما من حريته بناءاً على مبادرة أو أمر من السلطة التنفيذية وليست القضائية دون توجيه تهم جنائية ضد المحتجز أو المعتقل إدارياً (شرح البروتوكولين الإضافيين الصادرين في 8 حزيران 1977 الملحقين بإتفاقيات جنيف الصادرة في 12 آب 1949)، كما أنه اعتقال يتم القيام به استناداً إلى أمر إداري فقط دون حسم قضائي ودون لائحة اتهام ودون محاكمة طبقاً للقانون الدولي".
وبالتالي فإنه من الناحية القانونية إعتقال تعسفي غير قانوني يتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إذ أنه اعتقال حاصل نتيجة الإعتماد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الإطلاع عليها. مما يعني علناً الإعتقال والحكم دون إعطاء الأسير أي حقٍ له فيما يسمى "حقوق الدفاع".
أرقام وإحصائيات حول الإعتقال الإداري بحسب المصادر الإسرائيلية :
من المعلوم أن سلطات الکيان الإسرائيلي قامت على مدار سنوات طويلة بممارسة الإعتقال الإداري بحق الآلاف من الفلسطينيين ولفترات تراوحت بين بضعة أشهر إلى بضعة سنين. وهنا نشير للأرقام من باب المحاججة بلسان الکيان الإسرائيلي وبالدليل، بحسب الإحصاءات التي سجلتها منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة):
- خلال العام 1989 وبالتحديد خلال الإنتفاضة الأولى، قام الکيان الإسرائيلي بإعتقال ما يزيد عن 1794 فلسطينياً إدارياً.
- في بداية التسعينات وحتى 1995، أصبح عدد المعتقلين الإداريين يتراوح بين 100 الى 350 معتقلاً.
- بعدها قامت السلطات الإسرائيلية بإعتقال مئات الفلسطينيين خلال حملة "السور الواقي" في نيسان 2002 ليصل عدد المعتقلين الى الألف معتقل.
- في الأعوام 2005- 2007 كان عدد المعتقلين الإداريين حوالي 750 معتقلاً. ومنذ تشرين الثاني 2007 تناقص عددهم لتركز السلطات على أشخاص معينين ليصل العدد في آب 2010 إلى 189 معتقلاً إدارياً وهو آخر الإحصائيات، إذ أن السلطات قامت منذ ذلك الحين بإنتهاج أسلوب هذا الإعتقال بوتيرة أكبر.
مقاربة النهج الإعتقالي السائد مع القوانين الدولية:
من خلال التعرف على القوانين الدولية التي ترعى شرعة حقوق الإنسان ومن منطلق إتخاذها كمعيار وليس كسبيل للمطالبة بالحقوق، يتبيَّن لنا حجم المخالفات الإسرائيلية. وهنا لا نقول إننا نلجأ للقانون الدولي أو المنظمات الدولية، إذ أننا نؤمن أنه لا سبيل للخلاص من عنجهية الكيان الإسرائيلي، إلا بالمقاومة. إلا أنه لا بد من التأكيد على أن هذا الكيان يناقض بأسلوبه الممنهج الأعراف الخاصة وشرعة حقوق الإنسان. فكيف يمكن إثبات ذلك؟
- بحسب القانون الدولي، وتحديداً المواد 70 و 71 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، فإن إبلاغ المتهم بلائحة اتهام واضحة وبلغة يفهمها تبين له أسباب اعتقاله ليتاح له إمكانية الدفاع عن نفسه هو شرطٌ أساسي. ولأن الإعتقال الإداري كما يمارسه الكيان الإسرائيلي يقوم على ملفٍ سريٍ، فمن الواضح أنه لا يُؤَمِّن ما يسمى "ضمانات المحاكمة العادلة" مما يجعل أسلوبه من ناحيةٍ أخرى، يُعد جريمة حرب وفق المواد 130 و 131 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمواد 147 و 148 من اتفاقية جنيف الرابعة خاصة.
- كما أن قبول الکيان الإسرائيلي لنفسه الإلتزام بالقانون الدولي وأنظمة لاهاي لعام 1907 في حكمه للأراضي الفلسطينية، يعني بحد ذاته الإدانة.
- وبحسب الأعراف الدولية الملزمة من الناحية القانونية فيما يخص المحاكمات، واستناداً الى المادة 43 منها، فإن سلطة الکيان الإسرائيلي مُجبرة على القيام بكافة الإجراءات التي تضمن إعادة الأمن والحياة إلى الأراضي الفلسطينية.
وهنا نشير الى مسألةٍ مهمة، تتعلق بإنعكاسات ممارسة هذا النهج التعسفي. وهو أن السلطات الإسرائيلية ومن خلال هذا الأسلوب تمارس ما يُسمى بـ "العقاب الجماعي" بحق الشعب الفلسطيني. وهو الأمر الذي يعبر عن همجية هذا الكيان. ففي تفاصيل المسألة يتبين أن إنعكاسات هذا النوع من الإعتقال هو على الأسير وعائلته الى جانب مجتمعه. وهو أمرٌ تمارسه تل أبيب عن قصد، من أجل كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي يؤمن يوماً بعد يوم بضرورة مواصلة المقاومة وإزالة الکيان الإسرائيلي من الوجود، ليتحقق النصر والسلام.