الوقت- أرامكو من جديد تطغى على المشهد الإعلامي السعودي والعالمي، فبعد يومين من نفي السعودية الأنباء الواردة عن وقف خطة طرح حصة نسبتها 5% من شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) في سوق الأسهم، وإصرار السعودية على النفي مقابل إصرار وكالة "رويترز" على صحة الخبر، إلا أن معلومات "رويترز" كانت تحمل مصداقية أكبر من النفي السعودي، فالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز دخل على خط الأزمة وأوقف الاكتتاب العام لشركة أرامكو النفطية، ورافق هذا تشكيك عالي المستوى من مختلف المراقبين والمحليين، فالجميع يعتقد بأن ولي العهد أراد إخفاء فشله فتظلل بظل والده كما فعل مراراً وتكراراً، وربما "صفقة القرن" آخر أمثلة ذلك.
هناك دلالات واضحة تشير إلى أن ابن سلمان لم يعد بإمكانه تحمل المزيد من الفشل وإلصاق التهم به وتحميله المسؤولية التي دفع الغالي والنفيس للوصول إليها، ولكنه اليوم على ما يبدو بدأ يشعر بأنه دخل في لعبة أكبر منه ومن طموحاته "الإصلاحية" التي لم يرَ أحد منها شيئاً وما جرى اليوم من وقف خطة طرح حصة من شركة أرامكو في سوق الأسهم يعدّ بداية النهاية لأحلام ابن سلمان، لماذا نعتقد هذا؟!
أولاً: كان من المنتظر أن يصبح إدراج أرامكو في البورصة الركيزة الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الموعود في السعودية، إذ كان من المستهدف أن تبلغ حصيلته 100 مليار دولار، ويمثل أكبر طرح عام أولي من نوعه على الإطلاق، بحسب "رويترز"، وكانت الغاية من هذا الطرح تنويع مصادر الدخل في البلاد بعيداً عن الاعتماد على عائدات النفط، وهذا الأمر أعطى ابن سلمان نوعاً من الشعبية بين أفراد الشباب السعودي الباحثين عن فرص عمل جديدة تلبي طموحاتهم وتخفف من شبح البطالة الذي يهمين على البلاد التي تعتمد في أعمالها الحقيقية على اليد العاملة الأجنبية.
ولكن ولسوء تخطيط ولي العهد ولكونه اقترح مشاريع فضفاضة لا تتماشى مع الواقع السعودي وظروفه التاريخية والدينية وإمكاناته البشرية، بدأت تنهار أحلامه وتشهد نهايتها في مشهد تراجيدي أشبه بفيلم سينمائي يحمل كل أنواع الفانتازيا في ثناياه.
ثانياً: كان الأحرى بولي العهد قبل الدخول في كل هذه المعمعة التي انعكست عليه سلباً أن يقوم بدراسة عملية لمدى إمكانية تحقيق مشاريعه في السعودية، فبالرغم من أن ابن سلمان لديه قدرة تأثير كبيرة في مفاصل البلاد السياسية والاقتصادية إلا أن هناك "حرساً قديماً" ليس من السهولة تجاوزه، وهذا ظهر جلياً في أزمة "أرامكو" التي أظهرت أن هناك أشخاصاً آخرين لديهم تأثير أيضاً في القرار السعودي وخاصة مسؤولي "أرامكو" الذين لا يريدون بيع الأسهم إذ إن هناك مخاوف قانونية من أن الطرح العام الأولي قد يستدعي تدقيقاً غير مسبوق للشركة، ومن ثم كان التأجيل هو الحل.
في المؤسسة الدينية هناك امتعاض أيضاً من تحركات ولي العهد نحو "الإصلاح" وهناك تخوف كبير بين صفوف رجال الدين من ابن سلمان لكونه اعتقل أعداداً كبيرة منهم آخرهم إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب، لذلك يمكن اعتبار المؤسسة الدينية اليوم "نار تحت الرماد" وابن سلمان نفسه يعلم أنه لا يستطيع الضغط على هذه المؤسسة أكثر من ذلك وإلا ستكون النتائج كارثية عليه، علينا ألّا ننسى بأن المجتمع السعودي "مجتمع ملتزم" ولرجال الدين تأثير كبير عليه.
ثالثاً: فشل محمد بن سلمان في السياسة الخارجية ضيق الخناق عليه في السياسة الداخلية وقلّل من شعبيته، فالأمير الشاب غارق حتى أخمص أذنيه في حرب اليمن وهناك محاولات جديدة منه للهروب من هذه الأزمة نحو لبنان، كما نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية منذ يومين، ناهيك عن عراكه السياسي وأزماته التي لا تنتهي مع الغرب، وبالتالي أصبحت الأمور متشعبة جداً اليوم ولا يمكن الفكاك منها بسهولة.
ويمكن القول صراحةً بأن ترامب ليس الحل في حال كان ولي العهد يعتمد عليه ويتخذه قدوة له ويتحصّن به، فالرئيس الأمريكي تطغى على شخصيته، شخصية التاجر أكثر منها السياسي، لذلك سيكون التعويل عليه أمر خاطئ، والأحرى اليوم بولي العهد التفكير مجدداً وإيقاف هذا الانهيار الذي سيؤثر لا محالة على شعب السعودية قبل غيره، ومن الأفضل له أن يحل مشكلات البلاد الداخلية ويعزز العلاقة مع الداخل قبل الانخراط مجدداً في حروب جديدة ومهاترات سياسية غير مجدية.
هذه السياسة المبنية على "التخويف" و"الإقصاء" أقلقت رجال الأعمال وذهبت بهم بعيداً عن أرض السعودية، فجميع المستثمرين حول العالم لا يضعون أموالهم في بيئة قلقة غير مستقرة وغير واضحة المعالم، لذلك يجدون أن الاستثمار في السعودية محفوف بالمخاطر ومن هنا يمكننا تفسير السبب الكامن وراء هروب بقية المستثمرين من السعودية، وهذا يتحمل مسؤوليته ولي العهد الذي يتجه من حيث لا يدري نحو الانعزال أكثر فأكثر.
إذن إيقاف طرح الأسهم للبيع، سيكون بمثابة حبل مشنقة على مشاريع ولي العهد ولن يستطيع الهروب أكثر من ذلك في أزماته، وإلقاء المسؤولية على والده عند الضعف لن ينقذه ولن يخف من حدة الانتقادات الغربية له، لذلك عليه إيقاف هذه السياسة غير المجدية التي يمارسها مع المحيط، وينهي حرب اليمن التي أرهقت بلاده وشعبه ولم تجلب لهم أي نتائج تذكر.