الوقت- يصادف اليوم (19 أغسطس 2018) الذكرى الخامسة والستين لعملية " TPAJAX" الانقلابية التي خطط لها الاستعمار البريطاني العجوز ونفذت في 19 أغسطس 1953 بالتعاون مع أمريكا للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطياً "الدكتور محمد مصدق"، العملية التي شبّهت بالقرصنة نظراً لما حملت في طياتها من مآرب شيطانية تركّزت على الهدف الرئيسي من استعمار الدول وهو نهب ثرواتهم الطبيعية والنفطية.
وتؤكد الوثائق التي أفصحت عنها الحكومة الأمريكية مؤخراً أن الانقلاب الذي أطاح بحكومة الدكتور مصدق كان قد نفذ بالتعاون المشترك بين وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، ومنظمة الاستخبارات السرية البريطانية (MI6) .
وتشير هذه الوثائق أيضاً إلى أن بريطانيا وأمريكا عمدت في هذا السياق إلى مساندة القوى المعادية لمصدق، ودعمتها في تنظيم الاحتجاجات المناهضة ضد حكومته، لينظّم بعد ذلك الجيش الحركة الانقلابية ويقوم بتنفيذ المرحلة النهائية للمخطط المتمثل بعزل مصدق واعتقاله ومن ثم إعادة الشاه البهلوي الذي كان قد فرّ من إيران بعد الصراع مع الأخير.
ويرى المحللون أن الوثائق التي نشرتها أمريكا رسمياً، تؤكد بأن الانقلاب العسكري شكّل جزءاً من السياسة الخارجية لأمريكا في ذلك الوقت، وفي السياق نفسه سبق أن تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" في عام 2000 عن الدور الأمريكي في هذا الانقلاب، كما تطرق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى هذا الموضوع في خطابه بالقاهرة عام 2009.
تعود أسباب الواقعة إلى قرار مصدق في "تأميم صناعة النفط" وذلك في أولى خطواته عقب انتخابه من قبل الشعب الإيراني عام 1951 رئيساً للوزراء، القرار الذي قطع أيدي البريطانيين ووضع حدّاً لاستحواذهم على النفط الإيراني.
بالإضافة إلى قرار التأميم، يعزو المراقبون أيضاً أسباب الانقلاب البريطاني - الأمريكي ضد رئيس الوزراء الإيراني المنتخب حديثاً آنذاك إلى "الحرب الباردة" والخشية التي غرستها الحكومة البريطانية في قلوب الساسة الأمريكيين من "التحالف المحتمل بين إيران والاتحاد السوفيتي".
الاستعمار البريطاني الذي كان قد بدت عليه بوادر الانهيار ولم يكن قادراً على مواصلة تنفيذ مخططاته الشيطانية دون ندّ ضد بلدان المنطقة، استغل هاجس أمريكا من توسع نفوذ الفكر "السوفيتي" في إيران، وعليه فقد توصل إلى اتفاق مع الأخيرة يقضي بتنفيذ عملية "اجاكس" للإطاحة بحكومة مصدق، وذلك عبر تحريض الشارع الإيراني ضد رئيس الوزراء ورشوة قادة الشرطة والجيش وبعض الصحفيين وعدد من نواب البرلمان في هذا الإطار.
وفي معرض تحديد مدى قيمة النفط الإيراني لدى الاستعمار العجوز، تجدر الإشارة إلى مقولة رئيس الوزراء البريطاني الشهير "ونستون تشرشيل" أن "القدر جاء بثروة إلى أرض الآمال، لم نكن لنحلم بها حتى وإن الاحتفاظ بهذه الهدية يشكّل رأس مال لنا".
كما تجدر الإشارة إلى أهم النتائج التي تمخض عنها قرار مصدق في تأميم النفط، المتمثلة في الاستشراف على صناعة النفط ووضع حدّ لسطوة بريطانيا عليها وتوظيف عائداتها في معالجة المعضلات التي كانت تعصف بإيران آنذاك بما فيها الفقر والأمراض والتخلف، وهو ما جاء في تصريح ينسب إلى مصدق، مؤكداً فيها أن "المفاوضات التي استغرقت أعواماً طويلة مع البلدان الأجنبية لم تثمر عنها أي نتائج لمصلحتنا... نحن سنتمكن بواسطة العائدات النفطية من إكمال الميزانية ومكافحة الفقر والمرض والتخلف".
لكن مقابل هذه الجهود كان جشع الشاه البهلوي الذي لطالما عرقل بسياساته الخانعة للاستعمار البريطاني وأمريكا، مسار رئيس وزرائه المنتخب حديثاً ليصل الأمر بين الجانبين إلى درجة التوتر والنزاعات الشديدة، وبما وضع البلاد أمام تحديات كبيرة أهمها يتمثل في إتاحة المزيد من فرص التدخل إلى القوى الأجنبية في شؤون إيران الداخلية.
الاستعمار البريطاني الذي كان يرى في حكومة مصدق خطراً كبيراً على مصالحه داخل إيران وأيضاً باقي دول المنطقة التي كانت على وشك الاقتداء بخطوة الأخير في تأميم ثرواتها الطبيعية ومواردها النفطية، عمد إلى التخطيط للإطاحة بحكومة رئيس وزراء إيران ودعم خصمه أي "الشاه البهلوي".
لقد بدأت محاولة الانقلاب في 15 أغسطس 1953، قبل أن يتم إحباطها في بادئ الأمر بسبب الاعتقالات والمداهمات التي أمر بها مصدق، وهنا جاء دور المخابرات الأمريكية في دعم المحاولة الانقلابية ومنع فشلها.
وبحسب الوثائق المعلن عنها رسمياً في أمريكا، كرست وكالتا الاستخبارات الأمريكية والبريطانية جهودهما في دعم القوى المعادية لمصدق داخل البلاد وحثّها على تنظيم الاحتجاجات المناهضة له، لينضم الجيش بعد ذلك إلى مخطط الانقلاب ضده وبالتالي الإطاحة به.
الوثائق الأمريكية هذه، أكدت صحة ما جاء في تحليلات وتقارير نشرت في وقت سابق، فضلاً عن اعترافات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والأسبق بيل كلينتون، وتفيد هذه المصادر أن وكالة المخابرات الأمريكية قامت بـ "تنفيذ خطة الانقلاب للإطاحة بمحمد مصدق".
وحول أسباب الكشف عن هذه المعلومات من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، تؤكد مصادر مقرّبة من الوكالة أن واشنطن عمدت إلى إعلان مسؤوليتها عن الانقلاب دون الالتفات إلى المضار الديبلوماسية التي قد تلحق بأمريكا لتجنّب خروج هذه المعلومات من خلال تسريبات قد تضع الإدارة الأمريكية في موقف حرج تماماً أمام حلفائها والرأي العام الأمريكي والدولي.
وبذلك يبقى السؤال مطروحاً، هل هذا الاعتراف يضع نهاية لمؤامرات أمريكا والغرب ضد الشرق الأوسط ولاسيما الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي رفعت منذ انتصار الثورة حتى اليوم راية التصدي والمقاومة في وجه القوى المتغطرسة العالمية، وهي تنادي بنصرة المستضعفين في أنحاء العالم؟ وهل يمكن الوثوق بأمريكا التي تقرّ علناً بضلوعها في تدبير انقلاب عسكري داخل بلد ما؟ وهل هناك ما يمنع تكرار واستمرار واشنطن وحلفاءها الغربيين من تنفيذ مخططات شيطانية أخرى ضد بلدان المنطقة؟
ربما التطورات والأحداث الإقليمية والدولية الأخيرة وما يجري اليوم في كل من سوريا واليمن والعراق، وأيضاً ما يروّج له الأمريكيون من مزاعم في سياق مخطط "إيران فوبيا"، وقرار الرئيس الأمريكي الأحادي بالانسحاب من الاتفاق النووي واستئناف الحظر ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تشكّل جميعاً ردوداً مناسبة على تلك التساؤلات.
