الوقت - أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل بضعة أيام أنه يعارض العقوبات التي فرضتها إدارة "دونالد ترامب" على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية المصالح الوطنية لبلاده، ولكن ألا يكون الالتزام بالعقوبات الأمريكية مناهضاً للمصالح الوطنية العراقية؟
بعد يوم واحد من تصريحات العبادي، أشادت وزارة الخارجية العراقية بسياسات إيران وموقفها من العراق، وحثّت المجتمع الدولي على منع العقوبات المفروضة على إيران من خلال الضغط على أمريكا، كما أدانت العديد من المجموعات السياسية الأخرى في العراق تصريحات العبادي ورفضتها.
على سبيل المثال، قال السيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني العراقي خلال اجتماع له مع السفير الأمريكي في بغداد: "إن بغداد ترفض فرض عقوبات على إيران".
وأضاف: العراقيون يرفضون سياسة العقوبات وتجويع الشعوب. هذه السياسات لها العديد من العواقب السلبية على أمن واستقرار الشرق الأوسط، في حين أن وجود كلا العنصرين ضروري لتلبية مطالب شعوب هذه المنطقة.
وفي إشارة إلى الآثار السلبية للعقوبات على حياة الشعب الإيراني، قال: "إن الانعكاسات السلبية لهذه العقوبات ستؤثر أيضاً على الشعب العراقي، الذي يتمتع بعلاقات اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة مع الإيرانيين.
ولكن بعد مرور أسبوع، ظهرت الحقائق، حيث دعا العديد من المسؤولين العراقيين بغداد إلى الحفاظ على العلاقات التجارية مع طهران.
والسبب في ذلك هو أن العراق، الذي يبلغ طول حدوده المشتركة مع إيران 1458 كيلومتراً، قد يتضرر بشدة جراء العقوبات، إذ يعتمد العراق على جارته الشرقية في كل ما يحتاجه من الغاز والكهرباء والمياه والمواد الغذائية، ولا ننسى في هذه العجالة أن اعتماد العراق على التجارة والخدمات الإيرانية العامة، سببه الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 إلى حدّ كبير.
"هيذر نويرت" المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية وفي مؤتمر صحفي مساء الثلاثاء، هددت بأن الحكومة العراقية ستعاقَب إذا لم تمتثل للعقوبات الأمريكية.
وإذا لم يلتزم العراق، وواجه غضب أمريكا بعد انتهاك العقوبات، فإن هذا الأمر سيضع بغداد في دائرة النفوذ الإيراني أكثر من ذي قبل، وهذا ما لا تريده إدارة ترامب، إذ تسعى هذه الإدارة إلى احتواء هذا النفوذ في الشرق الأوسط الكبير، حيث تزداد قوة إيران يوماً بعد يوم.
حتى "حيدر العبادي" الذي لديه المزيد من التوجهات العراقية بالقياس إلى الرئيس العراقي السابق، لا يمكنه الالتزام بالعقوبات، ولهذا السبب تراجع عن تصريحاته في الأسبوع الماضي، إذ قال العبادي للصحفيين في بغداد قبل بضعة أيام: لم أقل إننا سنلتزم بالعقوبات، قلت إننا لن نستخدم الدولار في مبادلاتنا، ليس لدينا خيار آخر.
بصرف النظر عما قاله العبادي عن التداول بالدولار، أعلنت الحكومة العراقية أنها لم تتوصل إلى اتفاق مع أمريكا بشأن الامتثال للعقوبات الأخرى، وهذه إشارة واضحة لعدم الامتثال للعقوبات على إيران، كما تجدر الإشارة إلى أن العبادي وبسبب تصريحه باحتمال التزام العراق بالعقوبات، يواجه حالياً ردود فعل حادة من قبل السياسيين العراقيين والإيرانيين.
وفي وقت سابق، ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية قد سافروا إلى بغداد قبل شهرين، والتقوا بمسؤولي البنك المركزي العراقي، وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الحكومة العراقية لديها حسابات مصرفية في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يحتفظ فيها بالدولار، وإذا ما امتثل العراق للعقوبات، فيمكن ضبط هذه الدولارات.
ولكن على الرغم من هذه الصعوبات، يبدو أنه ليس أمام العراق من خيار سوى انتهاك العقوبات الأمريكية، وذلك لبعض الأسباب الاقتصادية التي يتم تلخيصها فيما يلي:
1. يحتاج العراق إلى الغاز الإيراني، إذ قال وزير الكهرباء العراقي في يوليو 2017 إن العراق يعتمد على إيران لمدة 7 سنوات على الأقل لإنتاج الكهرباء، العراق نفسه منتج للغاز الطبيعي، لكنه لا يملك الوسائل الكفيلة بمعالجته إلى الوقود للاستهلاك المحلي، الغاز الذي يستورده العراق من إيران، يوفر إمدادات الوقود لما يقرب من 20 في المئة من إنتاج الكهرباء في هذا البلد، وفي المقابل يرسل العراق النفط إلى إيران لتسديد مستورداته من الغاز والكهرباء.
2. يعتمد احتياطي العراق من المياه على تدفق نهري دجلة والفرات، اللذين يوفران 98٪ من المياه السطحية التي يحتاجها العراق، كما يمكن لإيران تغيير مسار 13٪ من موارد المياه في العراق، وفي هذا الصدد قال نائب وزير المياه العراقي في أبريل/نيسان إن ما بين 20٪ و30٪ من نهر دجلة في العراق يأتي من إيران، وإذا امتثل العراق للعقوبات، فيمكن لإيران ببساطة أن تقطع تدفق المياه، وفي الوقت الذي يواجه فيه العراق أزمة جفاف حادة، فإن مثل هذه المشكلة لا تبدو سهلةً.
3. السوق العراقية مليئة بالسلع الإيرانية المستوردة الرخيصة، بما في ذلك المواد الغذائية، وقد قلل هذا من الطلب على المنتجات العراقية المحلية، وهي أغلى سعراً، وحتى إذا قرر العراق التوقف عن شراء هذه المنتجات، فلن يتمكن المزارعون العراقيون من إنتاج منتجات مماثلة بكميات كافية، وفي السنوات الأخيرة هرب المزارعون العراقيون إلى المناطق الحضرية بسبب نقص الطلب والصراع مع داعش، كما أن قلة عدد المزارعين يعدّ مشكلةً في الوضع الحالي أيضاً.