الوقت- منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية أرست المؤسسات الإسرائيلية ركائز سياسة الفصل العنصري، التي تجسدت أبرز معالمها في إقرار سلسلة قوانين مست حقوق المليون ونصف المليون من العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وأسهمت هذه السياسة كما يقول كثير منهم إلى تحويلهم لمواطنين من الدرجة الثانية، تصادر أراضيهم وتهدم منازلهم وقراهم فضلاً عن ملاحقة قياداتهم الوطنية، ومن بين هذه القوانين قانون القومية الإسرائيلية الذي مرره الكنيست الإسرائيلي منذ أسبوعين ليبرز الوجه الحقيقي العنصري للكيان الإسرائيلي، حيث يكرس هذا القانون يهودية الكيان ويمنح اليهود وحدهم حق تقرير المصير ويحذف باقي الطوائف من قاموس الحياة المشتركة بين العرب واليهود في الأراضي المحتلة.
70 عاماً من صراع الإرادات على أرض فلسطين، سكان فلسطينيون عزّل، لكنهم صامدون جيلاً بعد جيل، ومحتل يتغوّل ويتوسع مع الأيام والسنين مستخدماً شتى أنواع القوة والقانون والدين وحتى الأسطورة، مخطط ها هو يستوفي مراحله ويتوّج بأخطر فصول شطب الآخر، إنساناً وتاريخاً وأرضاً، قانون القومية أسقط آخر ورقة توت عن مزاعم الديمقراطية الإسرائيلية وكرّس رسمياً "دولة" الاحتلال كنظام "أبارتايد" عنصري، يقول الفلسطينيون أنه الأخطر والأسوأ في التاريخ، وينكر هذا القانون ويتنكر لأي حق أو وجود فلسطيني وينسف جميع المرجعيات والاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية.
عنصرية قانونية
قوانين كثيرة سبقت هذا القانون وكانت أيضاً تتسم بالعنصرية تجاه الفلسطينيين العزل من بينها قانون أملاك الغائبين الذي تصادر "إسرائيل" بموجبه كل عقار أو حصة في عقار يملكها فلسطيني لم يكن موجوداً بمدينة القدس أثناء احتلالها عام 1967، إذ يحوّل العقار لما يسمى "حارس أملاك الغائبين" وهو جسم حكومي يصادر الأملاك الفلسطينية ويسلمها للحكومة الإسرائيلية.
قانون آخر سنّته تل أبيب كان في مصلحة الإسرائيليين أيضاً وهو ينصّ على أن كل العقارات التي كان يملكها اليهود في شطري المدينة قبل عام 1948 يجب أن تعاد للمالكين اليهود الأصليين أو ورثتهم، وبهذه الطريقة عادت مئات العقارات والمنازل لليهود في القدس الشرقية.
عنصرية تعليمية
كما أن العنصرية في الكيان الإسرائيلي ليست بالأمر الطارئ بل تبدأ من المناهج الدراسيّة، فهي واحدة من أشهر القصص في المنهاج الإسرائيلي الذي يدرّس في المدارس، وهي نتيجة طبيعية لجهاز تعليمي في دولة الاحتلال خضع منذ بداياته لأسس أيديولوجية متمثلة في المعتقد الصهيوني، وذلك من خلال الاستعانة بالنصوص الدينية المستمدة من التوراة، والتي تهدف إلى تبرير هذا الاحتلال لوجوده منذ عام 1948 وحتى اليوم.
هذ النوع في العنصرية يتعرّض له الطالب باستمرار خلال المراحل التعليمية وصولاً إلى الجامعات، حيث كشف استطلاع للرأي شمل 1300 طالب عربي في الجامعات الإسرائيلية أن 50% منهم يواجهون مظاهر عنصرية وتمييزاً خلال التعليم، ونحو 40% تحدثوا عن تعابير عنصرية تصدر عن أعضاء الطاقم الأكاديمي، ودلّت النتائج أن أغلبية مظاهر العنصرية ضد العرب في الأكاديميات والجامعات والكليات تصدر من جانب طلاب آخرين، وبعضها يصدر عن أعضاء في الطاقم الأكاديمي.
عنصرية اجتماعية
ولا تقتصر العنصرية الإسرائيلية على ما ذكر سابقاً إذ إن المجتمع الإسرائيلي ينقسم بحدّ ذاته من الناحية الاجتماعية إلى طبقات وطوائف عدة، أشهرهم الاشكناز والسفارديم، فالأشكناز هم يهود أوروبا الأغنياء الذين يلعبون دوراً مهماً في إقامة وبقاء الكيان الإسرائيلي، ويمكن القول إنهم الطبقة العليا التي تتمتع بالغنى والهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية الإسرائيلية.
أما السفارديم، فهم اليهود الذين جاؤوا من الشرق ومن الدول العربية والعالم الثالث بشكل عام، فهم الطبقة الدنيا داخل المجتمع الإسرائيلي، الذين لا يملكون شيئاً، ويعملون بالمهن الشاقة.
ويأتي في المرتبة الثالثة الفلسطينيون العرب، الذين يعاملون بعنصرية تامة، فهم لا يملكون شيئاً سوى الفقر، وهم يتعرضون بشكل يومي للعنصرية، وعلى سبيل المثال يعامل رجال أمن القطار الخفيف المقدسيين كمشتبه بهم، حيث يتعرضون للتفتيش وأحياناً لاعتداءات قد تصل لإطلاق النار المباشر، ولا يواجه مستقلو القطار فقط إجراء التفتيش، بل تلاحق شرطة وجيش الاحتلال والقوات الخاصة الشبان الفلسطينيين في كل شوارع المدينة وتتعمد تفتيشهم بشكل مهين، وفي حال قرر المقدسيون السفر عبر مطار بن غوريون في تل أبيب يضطرون للإجابة عن وابل من أسئلة أشبه بالتحقيق يطرحها عليهم موظفو أمن المطار، كما يفتشون بشكل دقيق ويلاحقهم الأمن حتى لحظة صعودهم للطائرة في أحيان كثيرة.
عنصرية فرديّة
وتجسدت مظاهر العنصرية بحق الفلسطينيين أكثر بعد إقرار قانون القومية اليهودية، حيث قال أحد المواطنين العرب إنه منع من دخول مركز سياحي في قرية جان شموئيل الإسرائيلية فقط لكونه من العرب، وقال:" ذهبت اليوم برفقة عائلتي إلى المنتجع بهدف الاستجمام هناك بالعطلة الصيفيّة وفوجئت بالمعاملة السيئة التي لاقيناها فقمنا بالاتصال بمكتب الاستعلامات أكثر من مرة ليجيبونا بأنّه يتعذّر عليهم إدخالنا وإن دخلنا فلا يمكن الدخول إلا لمرّة واحدة فقط!".
كما شهدت شوارع تل أبيب يوم أمس مظاهرات كبيرة من الطائفة الدرزية العربية القاطنة في الأراضي المحتلة، وذلك اعتراضاً على قانون القومية الإسرائيلي، الذي يمثل بنظرهم أبشع مظاهر العنصرية ولا يعبر عن حقهم في المواطنة، وعقب هذه المظاهرات وجّه ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، انتقادات لاذعة للدروز في "إسرائيل" ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، عن مصدر وصفته بـ"المقرّب جداً" من نتنياهو قوله: "الدروز الذين يشعرون أن قانون القومية لا يناسبهم عليهم أن يتذكروا أن هناك عدداً كبيراً من الدروز يعيشون في سوريا وبإمكانهم أن يعلنوا هناك عن دولة خاصة بالدروز يمكن أن يسموها دروزيا".
ختاماً.. هكذا هو الواقع اليوم في فلسطين المحتلة، وهكذا يعيش العرب اليوم في الكيان الإسرائيلي، فلا أحد يستطيع حمايتهم، لا سلطة تدافع عن حقوقهم، ولا دولة توقف تعديات الإسرائيليين عليهم، في المقابل إن "إسرائيل" ماضية في تنفيذ مخططاتها وهي تحظى بدعم أمريكي ودولي غير مسبوق رغم خرقها للمعايير والأعراف الدولية التي تنص على احترم حقوق الآخرين، وهي تؤكد للعالم أجمع وبشكل قانوني واضح أن "إسرائيل" ليست دولة لجميع مواطنيها، ولا حتى دولة ثنائية القومية، بل هي لليهود حصراً ودون سواهم.