الوقت- ضاقت السبل بمسلحي سوريا وداعميهم حتى اختنقوا في زاوية البلاد الشمالية الغربية الضيقة بمساحتها والمهمة بأبعادها السياسية والاستراتيجية لكونها الحصن الأخير الذي يلجأ إليه مسلحو سوريا بعد طردهم من جنوب البلاد "مركز الثورة" وإحكام السيطرة على جبهات القنيطرة درعا والسويداء المتاخمة للحدود مع الجولان المحتل، الذي لم يعد الصهاينة فيه يرحبون بالمسلحين الذين كانوا يستقبلونهم هناك ويعالجونهم ويمدونهم بالعتاد والسلاح.
وفي الأمس أعلن كيان الاحتلال أنه أغلق مستشفى ميدانياً أقامه في الجولان السوري المحتل كان يعالج جرحى الإرهابيين بعد أن توقف نشاطه مؤخراً عقب اندحار التنظيمات الإرهابية أمام الجيش العربي السوري وذلك في أدلة تكشف العلاقة العضوية البنيوية التي تربط كيان الاحتلال بالتنظيمات الإرهابية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن قوات الاحتلال قولها إنها "بدأت إخلاء المستشفى الميداني "مازور لاداخ" الذي أقيم في آب 2017 بعد أن توقّف نشاطه في الآونة الأخيرة" معترفة بأن مشافي كيان الاحتلال عالجت نحو 6800 من الإرهابيين.
أبعاد إغلاق هذا المستشفى
إغلاق مراكز العلاج في وجه المسلحين والتنصل منهم وأكثر من ذلك استهدافهم وإطلاق النار عليهم مؤخراً، وقتل سبعة من المسلحين في ضربة جوية على الشطر الذي تسيطر عليه سوريا من هضبة الجولان، بحسب ما ذكر راديو إسرائيل الخميس الماضي، لا يمكن أن يقتصر على ذلك وحسب، وبالتأكيد للقصة تتمة...
الكيان الإسرائيلي وجد باندلاع الأزمة في سوريا فرصة ذهبية لإضعاف الخصم والعدو في دمشق، ولم يتلكأ إطلاقاً في دعم المسلحين ضمن الأراضي السورية وخاصة في الحدود المحاذية للأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، ولم يعر أي أهمية لإيديولوجيات الفصائل المسلّحة والنهج الذي تسير عليه، المهم أنها تحقق لها غايتها الآن من خلال استهداف قوات الجيش السوري ومؤسسات الدول السورية وبالتالي اقتصاد البلاد، من مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة، وعندما كانت تضعف هذه الجماعات المسلحة وتقترب من النهاية كان كيان الاحتلال يتدخّل بشكل مباشر ويقصف مواقع عسكرية سوريّة علّها تعطي بعض الأمل للمسلحين وتساعدهم في مهامهم التخريبية، ولو لم يكن الأمر كذلك كيف لكيان يدّعي الديمقراطية والعلمانية أن يدعم "جبهة النصرة" المصنّفة دولياً على أنها منظّمة إرهابية في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب ولاتفاقية فصل القوات.
إذن القصة أبعد من ذلك بالنسبة للكيان الإسرائيلي، وما كانت تريده يتمحوّر حول إضعاف سوريا بمؤسساتها وجيشها واقتصادها وشلّ حركتها بالمطلق، ولكن ما حدث كان أكبر من توقعات "إسرائيل" وحلفائها ومرتزقتها، إذ تمكّنت القوات السورية من بسط السيطرة على
أغلبية مساحة البلاد بعد مرور ما يقارب الثماني سنوات من عمر الأزمة، ما دفع الصهاينة للاستسلام والتخلي عن المسلحين قبل أن يستسلم المسلحون أنفسهم في إدلب، لكون تل أبيب تعلم جيداً بأن مسلحي إدلب لن يتمكّنوا من الصمود أمام ضربات الجيش السوري الذي لم تصعب عليه أي منطقة مهما بلغ عدد المسلحين فيها، وما حصل في المنطقة الجنوبية وحلب وغيرها من المناطق يؤكد ذلك.
مؤشر آخر على نهاية المسلحين تمثّل بفرار 800 عنصر ممن يسمّون أصحاب "الخوذ البيضاء" وعائلاتهم من منطقة في جنوب سوريا ونقلهم برّاً إلى الأردن عبر الكيان الإسرائيلي، ولم يقلّ دور "الخوذ البيضاء" في تأزيم الأوضاع في سوريا عن أي جماعة مسلّحة، بل كان تأثيرهم أكبر بكثير من بقية الجماعات المسلحة لكونهم كانوا يختبئون خلف قناع منظمة مدنية إنسانية لمساعدة متضرري الحرب، ولكن عملهم لم يكن كذلك على الإطلاق، فقد ساهم هؤلاء في العدوانين اللذين شنّتهما أمريكا على سوريا.
في يوم أمس أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن ما تسمى جماعة " الخوذ البيضاء" كانت على علاقة وثيقة بالإرهابيين في سوريا وأسهمت في إطالة أمد الأزمة، ونقلت وكالة سبوتنيك عن زاخاروفا قولها في إيجازها الصحفي الأسبوعي: "لنكن صادقين .. لقد حان الوقت لنطلق عليهم تسمية الأقنعة البيضاء بدلاً من الخوذ البيضاء لأن الأشخاص الذين قدموا أنفسهم على أنهم عمال إنسانيون اتضح في الواقع أنهم عملاء أجانب عملوا في سوريا لمصلحة دول أخرى تخالف سياساتها المصالح السورية وذلك مقابل أموال هائلة وقد ثبت ذلك بالبرهان القاطع الآن مع إجلائهم وتوزيعهم على دول مختلفة".
الشمال وطرد آخر إرهابي
الأنظار تتجه اليوم نحو الشمال السوري والتحضير لبدء المعركة هناك، فجميع التحليلات السياسية والميدانية وتصريحات مسؤولي دمشق تؤكد أن الجيش السوري يحضّر للدخول في معركة إدلب وتطهيرها من المسلحين وسط خلافات يعاني منها هؤلاء فيما بينهم، لكنهم وبحسب مصادر إعلامية يحاولون اليوم رأب الصدع وحلّ الخلافات قبل دخول الجيش السوري، وهناك مساعٍ اليوم لتشكيل جيش موحّد من المسلحين لمنع الجيش السوري من السيطرة على إدلب، لكونها الحصن الأخير الذي يحتمي خلفه المسلحون، لذلك سيحاول المسلحون بذل قصارى جهدهم للدفاع عن حصنهم الأخير.
دمشق حاضرة لهذه المعركة وباعتقادي لن يطول وقت هذه المعركة ولن يستطيع المسلحون الصمود طويلاً، لكون عناصر الجيش السوري يمتلكون روحاً معنوية وقتالية منقطعة النظير بعد سلسلة الانتصارات التي حقّقوها مؤخراً، فضلاً عن إخلاء قريتي كفريا والفوعة المحاصرتين في إدلب لدرء كل ضغط على القريتين أثناء المعارك، وهناك احتمال بأن يشارك الأكراد الجيش السوري في هذه المعركة، خاصةً بعد اللقاءات بين المسؤولين الأكراد والمسؤولين في دمشق، وربما اللقاءات التي حصلت في أستانا بين الروس والإيرانيين والأتراك سترخي بظلالها على المعركة، وهناك خروج بالآلاف للمدنيين من إدلب إلى مناطق أخرى، كل هذه المؤشرات وغيرها تؤكد أن بداية نهاية المسلحين على الأبواب، وما عليهم سوى الاستدارة للوراء والذهاب بعيداً عن هذه الأرض التي لا ينتمون لها ولا تنتمي لهم.