الوقت- في أعقاب المواقف الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قضية النووي الإيراني، واعتماده استراتيجية الضغط وفي نفس الوقت الانفتاح على طهران، اعتبر محللون أمريكيون أن الرئيس الأمريكي يطبّق الاستراتيجية التي اعتمدها في التعاطي مع كوريا الشمالية لجذب إيران إلى طاولة المفاوضات.
ففي البداية اتخذ ترامب موقفاً متشدداً من كوريا الشمالية، مهدّداً بيونغ يانغ بردّ غير مسبوق لم تشهده أي دولة على مرّ التاريخ، وأثارت هذه الرسالة الكثير من المخاوف في العالم، حتى أنها أخافت الأمريكيين أنفسهم من مخاطر الفهم غير الصحيح للكوريين لرسائل ترامب ما دفع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى التراجع عن كلمات رئيسه المتهوّر.
بعد ذلك اعتمد ترامب لغة المحبّة والصداقة في التعاطي مع الملف الكوري، داعياً الزعيم الكوري كيم جونغ أون إلى الجلوس والتحدّث في القضايا العالقة، وبالرغم من اللقاء الذي حصل بين ترامب والزعيم الكوري في أيار/مايو الماضي في سنغافورة، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يقللون من أهمية هذا الاجتماع الذين يعتبرونه لم يحقق أيّاً من الأهداف الأمريكية كنزع السلاح النووي الكوري، ويرون أن هذا الأمر كان بمثابة انتصار شخصي لصورة ترامب في العالم والداخل الأمريكي.
وفي القضية الإيرانية اعتمد ترامب نفس استراتيجيته مع بيونغ يانغ، ففي البداية هدّد بفرض عقوبات غير مسبوقة على طهران، وبعدها بأسابيع هدّد بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت نووية إيرانية، وفي الأيام القليلة الماضية أعلن عن رغبته بلقاء المسؤولين الإيرانيين من دون أي شروط، ويقول محللون إن ترامب يعلم نتائج فشل هذا الاجتماع إن حصل وهو يهدف عن طريق ذلك لتحقيق نجاح شخصي بأنه أول رئيس أمريكي استطاع إجبار الكوريين والإيرانيين الجلوس على طاولة المفاوضات.
إلا أن محللين أمريكيين أكدوا أكثر من مرة أن الجمهورية الإسلامية في إيران هي ليست كوريا الشمالية، وهذا ما أكد عليه أيضاً قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، الذي قال "يا سيد ترامب! إيران ليست كوريا الشمالية لتقبل دعوتك للاجتماع". وأضاف إنّ أي لقاء بين مسؤولين إيرانيين وأمريكا لن يحدث، مشيراً إلى أن "الشعب الإيراني لن يسمح لمسؤوليه باللقاء أو التفاوض مع الشيطان الأكبر"، وأكد أن "حتى الرؤساء الذين سيكونون بعدك لن يروا ذلك اليوم (أي يوم التفاوض مع إيران)".
وفي هذا الصدد، نشر مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة في العراق ومسؤول الاستخبارات السابق، سكوت ريتر، مقالاً تناول فيها استراتيجية ترامب التي أخضعت زعيم كوريا الشمالية، متوقعاً عدم نجاحها مع إيران لثلاثة أسباب وهي:
1-إيران لم تخترق بنود المعاهدة:
وقال المفتش الأممي "لقد نقضت كوريا الشمالية مجموعة من القوانين الدولية في تجاربها النووية والصاروخية، وكان هناك إجماع دولي كبير على أن السلاح النووي الكوري يشكّل خطراً على المجتمع الدولي بأكمله".
وأضاف: "بالرغم من تصريحات ترامب التي كانت تظهر أن هذه المشكلة تخصّ أمريكا فقط، إلا أن هناك إجماعاً دولياً على أن السلاح الكوري النووي يشكّل خطراً كبيراً على الأمن العالمي، حتى أن كوريا الشمالية كانت تعلم أن إجراءاتها تشكّل خرقاً للمعاهدات الدولية".
وأشار المحلل الأمريكي إلى أن " إيران استطاعت عبر الحوار توقيع معاهدة دولية مع خمسة دول من أعضاء مجلس الأمن الدولي وهي أمريكا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين وفرنسا، كما أن البرنامج النووي الإيراني يتطابق مع بنود هذا الاتفاق ولم يخترق".
وأضاف: إن " ترامب لم يخرج من الاتفاق النووي بسبب تهديد إيران للأمن العالمي كما يدّعي، وإنما بسبب الضغوطات الداخلية التي يتعرّض لها، وبينما تستعدّ أمريكا لإحياء العقوبات ضد إيران فإن عدد الدول المستعدّة للانضمام إليها في ذلك هو صفر وهو أمر مذهل".
2-إيران لا تهدف للتعامل مع أمريكا
وفي هذا السياق يقول الكاتب الأمريكي "إن الحرب بين أمريكا وكوريا الشمالية، على الرغم من احتمال تدميرها للمنطقة بأسرها، ستكون نتيجتها النهائية: انتصار أمريكا الكامل والتدمير الكامل لحكومة كوريا الشمالية".
وأضاف: "لو كان كيم جونغ أون يريد الحرب مع أمريكا، فهو في الواقع يقدم على الانتحار ويقتل الملايين الآخرين معه، إلا أن كيم جونغ اون لديه أهداف وهو يسعى إلى تحقيقها ولكن ليس عن طريق الانتحار، لقد أنشأ ترسانة من الأسلحة النووية للردع، وليس بغرض السعي إلى تدمير نفسه عن طريقها".
وحول الهدف الرئيسي للزعيم الكوري قال الكاتب الأمريكي: "وكان الهدف الرئيسي لكوريا الشمالية التخلّص من العزلة الدولية عن طريق الأسلحة النووية، وهذا ما نجحت فيه بالفعل، حيث تكللت محاولاتها وتجاربها النووية بلقاء الرئيس الأمريكي في سنغافورا وانفتاحهم على جارتهم الجنوبية والصين وغيرهم من الدول".
أما في الحالة الإيرانية قال الكاتب الأمريكي: "على الطرف المقابل لا تثق الحكومة الإيرانية بأمريكا كما أنها لا تريد الدخول في علاقات دبلوماسية معها، هذا لا يعني أنه لا يمكن للبلدين التعايش السلمي، إلا أنه لا يعني أيضاً الدخول في مفاوضات جديدة مع أمريكا من أجل تخلي إيران عن برنامجها النووي السلمي، لذلك إن أي محاولة تهديد لإيران من أجل دفعها للمشاركة في مفاوضات جديدة محتّم عليها الفشل".
3-الحكومة الإيرانية ديمقراطية دينية وليست أوتوقراطية
واصل سكوت ريتر مقارنة هيكل الحكومة الإيرانية وكوريا الشمالية واعتبر أن الهيكل الديمقراطي لجمهورية إيران الإسلامية يختلف عن حكم بيونغ يانغ الأوتوقراطي وهو برأي الكاتب العامل الثالث الذي يجعل من تهديدات ترامب غير مجدية.
وقال الكاتب الأمريكي: كوريا الشمالية هي دكتاتورية كاملة، فإن احتاج كيم جونغ أون لبحث موضوع مهم كـ "تحسين العلاقات مع أمريكا"، سيستشير فقط الحلقة الأقرب منه، أما إيران من الناحية السياسية فهي معقدة أكثر، حيث يحكمها هيئات تنفيذية وتشريعية منتخبة ديمقراطياً من قبل الشعب، وتحكم قراراتها مؤسسة دينية هي نفسها خاضعة لسلطة القانون.
وختم الكاتب الأمريكي مقاله قائلاً: "إن دونالد ترامب هو تاجر في كل ما للكلمة من معنى، وهو يعيش في عالم التجارة، كما أن طريقته التي يعتمدها في التعاطي مع الدول المختلفة يمكن أن تنجح في معاملات الأملاك والعقارات في نيويورك، حتى أنها سوف تفشل في أماكن لا يمكن فيها تحويل الممتلك إلى مالك، خاصة عندما لا يحدد الطرف الآخر ثمناً لممتلكاته، وقد أوضحت الجمهورية الإسلامية في إيران أنها غير مهتمة بالتسعير للتخلي عن برنامجها النووي ".