الوقت- "وسائل الحرب الناعمة" هذا ما تسعى "إسرائيل" لامتلاكه على أكبر مستوى ممكن ليس داخل الأراضي المحتلة وإنما في كل شبر من البلاد العربية بالدرجة الأولى ومن ثم الإسلامية، وقد قطعت أشواطاً في هذا المجال عبر بعض القادة العرب الذين فتحوا باب التطبيع لكيان الاحتلال، حتى وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها على المواطن العربي الدفاع عن هويته وقوميته بمعزل عن قادته، وهذا بحدّ ذاته أصبح تهديداً جديداً نجحت "إسرائيل" في تسويقه، ولكن هل تمكّنت من تطبيع "الوعي العربي"؟!.
لاشكّ بأن كيان الاحتلال يحضّر نفسه إلى مواجهات محتملة على الجبهة الشمالية أو الجنوبية ولديه "توجّس ورعب" من آخر معركتين حصلتا على هاتين الجبهتين في العام 2006 و2014 وبالتأكيد لا يريد أن يعيد نفس التجربة ضمن نفس الظروف التي شكّلت بالنسبة له ذاكرة مريرة وطعنة للمؤسسة العسكرية وقادتها، الذين فشلوا في تسويق أي انتصار، وأدركوا حينها أن المقاومة ما زالت تحظى باحتضان شعبي منقطع النظير، على عكس بعض القادة العرب، حتى أن أغلب الإعلام العربي ساعد حينها بإيصال انتصارات المقاومة ما ساهم في ترسيخ فكرة المقاومة وأهميتها لدى الأجيال الشابة، وهذا ما أدركه العدو الصهيوني لذلك ومنذ بداية العقد الحالي، عمد كيان الاحتلال إلى اختراق الوعي العربي، وإعادة هدمه وتشكيل وعي جديد على المقاس الصهيوني عبر الصحافة التقليدية (الجرائد، التلفاز، والراديو)، وفي شبكة الإنترنت، من خلال بثّ رسائل عبر الشبكات الاجتماعية، المنتديات، المدونات، والنشر في المواقع.
وبدأت الماكينات الإعلامية الصهيونية والغربية ومعها من تورّط من القنوات العربية في كيّ الوعي العربي وحرفه عن مساره وتشويشه وتلقينه أفكاراً مسمومة بأساليب ناعمة لم تنجح حتى اللحظة مع الشعوب العربية لكنها تمكّنت من اختراق بعض القادة العرب ومن خلالهم يسعى كيان الاحتلال لتسويق أفكاره بين المواطنين العرب، ولاشك بأن "إسرائيل" نجحت في إخراج القادة العرب الذين كانوا يتعاطون معها من الظل وأظهرتهم لشعوبهم على حقيقتهم علّها تتمكن من جذب الشعوب نحوها، ولا تسأل عن الإغراءات ومخاطبة الشعوب من خلال اكتشاف نقاط ضعفها وإثارة مشاعرها والتقرّب منها عبر هذه الوسائل، والتي يعدّ المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي افيخاي أدرعي عرّابها ووجهها الإعلامي الذي أينما ذهبت تراه أمامك مستخدماً أقذر الأساليب للتسويق لكيان الاحتلال وأفكاره.
أفيخاي أدرعي يخاطب المواطنين العرب بشكل مباشر عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، كإطلاق العديد من "الهاشتاغات" تحت عناوين تهدف لخلق مواجهة بين حزب الله وجمهوره في لبنان، مثل "لماذا ترسل الشباب للموت في سوريا؟"، "أيّ مصلحةٍ لك جرّتك لحربٍ لا طائل للبنان بها سوى مصالح إيران؟" والكثير من العبارات التحريضية.
كما أنه في كل مناسبة دينية يطلّ علينا السيد أدرعي ليبارك للمسلمين سواء بحلول العيد أم دخول شهر رمضان المبارك، وللأسف بدأ البعض يتجاوب مع الخطوات الماكرة للصهاينة في هذا المجال، معتبراً إياها خطوات تجاه السلام والتعايش المشترك مع "أهل الكتاب" ناسياً أن الموضوع هنا يتجاوز موضوع اتباع ديانة سماوية، بل يتعلق بكيان عنصري مغتصب للحقوق والمقدسات، وممعن في جرائمه قتلاً وتهجيراً ضد أصحاب الأرض الأصليين.
ويجري أدرعي لقاءات صحفية مع صحف ومواقع عربية مثل موقع "ايلاف" السعودي، فضمن لقاء أجراه ادرعي مع هذا الموقع بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس حركة المقاومة حماس، هاجم فيها الحركة واصفاً إياها بأنها "بندقية إيرانية وليست خطراً على إسرائيل فحسب بل على كل دول الجوار أيضاً".
ناهيك عن الحوار الذي أجرته صحيفة "سبق" السعودية مع حاخام يهودي بارز قال فيه إن السلام بين اليهود والعرب قريب، وأضاف إن "إسرائيل" لا يمكن أن تحتلّ أرضاً لشعب آخر دون أن تعطيهم حقوقهم، مشيداً بولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يقود بلاده نحو الازدهار حسب وصف الحاخام.
تطويع المحيط
معركة "إسرائيل" التطبيعية قديمة تعود إلى العقود الأولى من تأسيسها، ولعل بدايتها تعود إلى العام 1978، حينها وجّه الرئيس المصري أنور السادات صفعة للجماهير العربية بتوقيعه معاهدة سلام مع كيان الاحتلال حملت اسم "معاهدة كامبديفيد"، ليتبعها معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في العام 1994 والتي جاءت تحت عنوان "اتفاقية وداي عربة" ليتبعها محاولات اختراق أخرى من قبل كيان الاحتلال للمجتمعات العربية، حتى نصل إلى أيامنا هذه ونشهد تطبيعاً جديداً يمسّ بكرامة العرب جميعاً وقضيتهم المركزية، والذي حمل اسم "صفقة القرن" عرّابها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمساعدة دول عربية خليجية وغير خليجية تريد أن تساهم مع الأمريكي والإسرائيلي في تصفية القضية الفلسطينية، وفي الأمس حاول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، العودة إلى نبض الشارع العربي بعد أن ساهم نجله الأمير محمد بن سلمان في حرف مسار بلاده وإظهارها بأنها داعمة لكيان الاحتلال في ممارساته ضد الفلسطينيين، فقد قال الأمير الشاب لمجلة أمريكية في أبريل الماضي إن من حق الإسرائيليين العيش بسلام على أراضيهم، وهو تصريح نادر لزعيم عربي.
وقال دبلوماسيون ومحللون إن الضمانات الخاصة التي قدّمها العاهل السعودي الملك سلمان للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودفاعه العلني عن المواقف العربية الثابتة في الأشهر الأخيرة، ساعد في تغيير تصورات بأن السعودية غيّرت موقفها تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولكن حتى اللحظة لا نعلم إن كان كلام الملك عملياً وحقيقياً أم مجرد فقاعة إعلامية، الغاية منها تخفيف الضغط على نجله محمد بعد أن خسر جميع معاركه السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
في الختام.. عندما يصبح الإسرائيلي ليس عدوّاً، وربّما "صديقاً"، فإن مجازره ستكون سهلة بحق العرب والمسلمين في أعين العرب والمسلمين أنفسهم ومن هنا لا بدّ من التنبه للإعلام.
ومن السذاجة الاعتقاد بأن وسائل الإعلام ستنحاز بشكل موضوعي للكيان الإسرائيلي، وإن كان اعتقادنا أن الكثير منها ستقع في هذا الفخ، بل ستعمد إلى سياسة تظهر فيها حرصها على الدماء العربية من جهة، ومحاولة شيطنة المقاومة من جهة أخرى في حال مقتل المدنيين والمستوطنين من الجانب الإسرائيلي.