الوقت- لا تزال مواقف أمريكا تجاه برنامج كوريا الشمالية النووي بعد اللقاء التاريخي الذي جمع زعيمي البلدين في سنغافورة، مبهمة وغير واضحة ولقد صرّح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بأن كوريا الشمالية قبلت بعدم السماح بانتشار الأسلحة النووية في العالم، وأنها سوف تتوقف عن القيام بأي تجارب نووية، ولفت الرئيس "ترامب" إلى أن كوريا الشمالية لم تعد تشكّل أي تهديد لأمريكا، ولكن مسؤولي البيت الأبيض أعربوا بأنه من الضروري استمرار الضغط على كوريا الشمالية لتتخلى بشكل كلّي عن مخططاتها النووية، وفي هذه الأثناء تمكّنت سلطات كوريا الشمالية بشكل عام من وضع بنود في الاتفاقية التي وقّعتها مع أمريكا في اللقاء التاريخي الذي جمع قادة البلدين في سنغافورة، تجبر أمريكا على سحب قواتها من شبه الجزيرة الكورية ورفع العقوبات عن كوريا الشمالية وفي ظل هذه الظروف، فإن هناك شكوك من استمرار كوريا الشمالية في أنشطتها النووية، حيث أعلنت العديد من وسائل الإعلام والمنظمات الغربية بأن هناك أدلة على استمرار أنشطة كوريا الشمالية النووية، وحول هذا السياق قالت صحيفة "الغارديان" بأنها تمكّنت في 21 حزيران / يونيو من الحصول على صور من الأقمار الصناعية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن كوريا الشمالية مازالت تقوم بالكثير من الأنشطة النووية.
ومن ناحية أخرى، أعلنت شبكة تلفزيون الـ"NBC" يوم أمس السبت، نقلاً عن خمسة مسؤولين أمريكيين أنه في الأشهر الأخيرة، زادت كوريا الشمالية من إنتاج اليورانيوم المخصّب الذي يستخدم لإنتاج الأسلحة النووية ووفقاً لمسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، فإن كوريا الشمالية لديها أكثر من موقع نووي سرّي بالإضافة إلى منشأة تصنيع الوقود النووي التي تقع في منطقة "يونغبيون" وبالنظر إلى كل هذه القضايا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو الهدف من نشر مثل هذه التقارير في الوقت الحالي وكيف سيكون تأثيرها على سير عملية المفاوضات بين أمريكا وكوريا الشمالية؟ وللإجابة على هذه الأسئلة، يمكننا هنا الإشارة إلى سيناريوهين.
فرض مزيد من الضغوطات على كوريا الشمالية
السيناريو الأول: يتمثل في قيام الحكومة الأمريكية بنشر تقارير حول الأنشطة النووية لكوريا الشمالية كجزء من خطتها لفرض المزيد من الضغوطات على "بيونغ يانغ" وعليه، فإن هدف واشنطن هو تحقيق نصر كبير في محادثاتها مع كوريا الشمالية وإجبارها على نزع أسلحتها النووية. في الواقع إن "بيونغ يانغ" تدعو إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها والحصول على ضمانات دولية، وذلك من أجل أن تتخلى عن قدراتها النووية إلا أن أمريكا تحاول تطبيق النموذج الليبي على كوريا الشمالية وترغب باستمرار وجود قواتها في شبة الجزيرة الكورية، وإذا ما استطاعت أمريكا فرض شروطها تلك فإنها ستتمكن من إزالة مخاوفها الأمنية ومخاوف حلفائها من البرنامج الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية وستتمكن أيضاً من وضع حدّ لتنامي القدرات الصينية في منطقة شرق آسيا ولكن من أجل تحقيق هذه الأهداف، فإن أمريكا مجبرة على فرض المزيد من الضغوطات على كوريا الشمالية.
ولهذا فلقد قام وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، بإجراء العديد من المحادثات الهاتفية مع وزير الخارجية الصيني من أجل مواصلة تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بكوريا الشمالية وإلى جانب ذلك قام "بومبيو" أيضاً بالإعلان عن الأنشطة النووية السرية لكوريا الشمالية، وأعلن مسؤولو البيت الأبيض أيضاً بأن الضغوط الاقتصادية لن تُخفض عن كوريا الشمالية إلى أن تتمكن من إحراز تقدم كبير في الوفاء بوعودها المتعلقة ببرنامجها النووي.
النزاعات المنتشرة داخل أمريكا ومحاولات لتقويض المفاوضات
السيناريو الثاني: يتمثل في عدم وجود وجهة نظر مشتركة بين السياسيين الأمريكيين والحكومة الأمريكية حول كيفية التفاوض مع كوريا الشمالية، والمكاسب التي سوف يحصلون عليها من مفاوضات سنغافورة ولهذا فلقد وجّه الرئيس "ترامب" الكثير من الانتقادات لبعض السياسيين، وقال بأنهم يجهلون الحقائق حول المكاسب والإنجازات التي سوف تحصل عليها أمريكا من تفاوضها مع "بيونغ يانغ" ولكن الشكوك تراود الكثير من السياسيين الأمريكيين حول ادعاءات الرئيس "ترامب" بأن عملية التفاوض مع كوريا الشمالية سوف تحافظ على مصالح أمريكا الاستراتيجية وذلك لأنهم يؤكدون على بعض التجارب التاريخية للمفاوضات مع كوريا الشمالية، حيث أعربوا أنه في عام 2008، دعت كوريا الشمالية الصحفيين الدوليين لتصوير عملية تدمير برج التبريد الخاص بمفاعل "يانع بيون" النووي الذي استخدمته لإنتاج القنبلة النووية الأولى ولكن بعد ذلك اتضح أن "بيونغ يانغ" لديها منشآت أخرى منفصلة لتخصيب اليورانيوم ولهذا، فإن منتقدي الرئيس "ترامب" يستدلون بهذه التقارير التي تفيد بعدم وفاء حكومة كوريا الشمالية بتعهداتها القديمة، ويرون بأنه من الضروري على الرئيس "ترامب" إنهاء هذه المفاوضات ولقد أدّى جوّ انعدام الثقة هذا بشأن قدرة الرئيس "ترامب" على إيجاد حلول للأزمة النووية الكورية، إلى تبني الكونغرس الأمريكي خطة الأسبوع الماضي لمراقبة عملية التفاوض وإلزام الحكومة بتقديم تقارير مفصلة.
لذا، ينبغي الاعتراف بأنه بغض النظر عن الطبيعة الحقيقية للأخبار المتعلقة باستمرار كوريا الشمالية في أنشطتها النووية، إلا أن العامل الرئيسي وراء خلق هذا المناخ المتشائم حول محادثات نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، يرجع إلى كيفية تعاطي الجانب الأمريكي (سواء أكانت الحكومة أم النقاد) مع عملية المفاوضات هذه والأطماع التي تريد واشنطن أن تحققها من هذه المفاوضات.