الوقت- تميّزت الأزمة السوريّة منذ انطلاقها في العام 2011 بدخول أطراف إقليمية ودولية على الخطّ، تنوّع اللاعبين وتنوع أهدافهم رسم خريطة من التحالفات أثّرت بشكل رئيسي على واقع الأزمة خلال السنوات السبع الماضيّة.
لم يكن هناك لدى أيّ طرف من الأطراف الفاعلة تطابقاً شاملاً في وجهات النظر، بل كنا أمام تقاطع مصالح تارةً ظرفية، وأخرى استراتيجية بين أعضاء الحلف الواحد.
اليوم، ومع نجاح سوريا وحلفائها في تحقيق انتصارات واسعة على مختلف الجبهات السورية يكثر الحديث عن خلافات إيرانيّة روسيا، فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وأين أصبح الحلفاء في سوريا بعد سبع سنوات ونيّف على الأزمة؟
لا يختلف اثنان على وجود تباينات في وجهات النظر بين إيران وروسيا، تماماً كما هو الأمر بين سوريا روسيا أو أي حليفين في سوريا أو في أي منطقة بالعالم، ولعل الفخّ الذي يريدون إيقاعنا به - اللاعبين على وتر التباين الروسي الإيراني - هو انطلاقهم من افتراض غير واقعي يزعم تطابقاً إيرانياً روسياً شاملاً في وجهات النظر، والحقيقة أن هناك تقاطعاً كبيراً في وجهات النظر، لكنه لا يلغي وجود تباينات قد تحصل بين أبناء البيت الواحد، فكيف بدولتين فاعلتين تمتلك كل واحدة منهما أهدافها الخاصّة؟
بناء عليه، لا بدّ من مراجعة ملخّصة لواقع التحالفات التي كانت قائمة منذ بدء الأزمة في العام 2011، فكيف كانت؟ وأين أصبحت؟
إيران - روسيا: رغم محاولات البعض التأكيد على أن ما يحصل بين إيران وروسيا عبارة عن خلافات عميقة، إلا أن الواقع يؤكد وجود تباينات قائمة منذ اليوم الأوّل للأزمة، ولكن اليوم وبعد ترسيخ الانتصار العسكري هناك من يحاول اللعب على وتر الخلافات وتضخيمها، ولو نظرنا إلى مسألة الجنوب السوري على سبيل المثال الذي كان مادة دسمة للهجوم على التحالف الإيراني الروسي لكنّ حقيقة الأمر مختلفة عما تم الترويج إليه، فقد نفى أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وجود أي مستشارين إيرانيين في جنوب سوريا، أو قيامهم بأي دور هناك، مؤكداً دعم طهران بقوة للجهود الروسية لإخراج الإرهابيين من المناطق السورية المتاخمة للأردن.
السعوديّة - تركيا: أسّست الأزمة السورية لتناغم كبير بين تركيا والسعوديّة بغية إسقاط النظام، فقد شكّلت حقبة بندر بن سلطان، ما سبقها وما تلاها، مرحلة لتعاون عسكري كبير بين البلدين، والجماعات المحسوبة على كلا الطرفين، ولكن مع مرور الوقت بدأت التباينات تطفو على السطح لتنعكس ناراً وشناراً ومئات القتلى بين الجماعات المحسوبة على كلا الطرفين. اليوم، هناك تباين واضح بين تركيا التي فضّلت التقارب مع إيران وروسيا عبر مسار أستانا، بل أصبحت نقاط التقائها مع روسيا وإيران أكثر من تلك التي تملكها مع السعوديّة، حليفة الأمس.
هذا التباعد دفع بالجانب السعودي لتخطّي الخطوط الحمراء التركية عبر زيارة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان لمنطقة عين عيسى في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، مع بيرت ماكغورك، منسق التحالف الدولي ضد "داعش" الإرهابي ولقائه أطرافاً كرديّة.
السعوديّة - قطر: لم يكن التناغم القطري - السعودي أقلّ حجماً من التناغم السعودي - التركي، وقد اعتمد البلدان سياسات مشتركة ضدّ سورياً انطلاقاً من مجلس التعاون، مروراً بالجامعة العربيّة وليس انتهاءً بالميدان السوري. اليوم، هناك حرب طاحنة بين البلدين، قطر خارج مجلس التعاون فعلياً، وإن كانت داخله صورياً، في الجامعة العربية لا مواقف مشتركة بين البلدين، وفي الميدان السوري لغة الرصاص والقذائف هي المستخدمة. كذلك الأمر، قطر وبعد حصارها من قبل الدول الأربع باتت تربطها علاقات قويّة مع إيران أسست لنقاط التقاء أكبر في الأزمة السوريّة.
أمريكا - تركيا: رغم وجود تباينات بين أمريكا وتركيا منذ اليوم الأول للأزمة السورية، إلا أن مستوى تقاطع المصالح بين البلدين كان أكبر بكثير. ولكن مع مرور الأزمة بدأت المصالح المتقاطعة بالانحسار شيئاً فشيئاً لمصلحة التباينات والخلافات، وقد وصل الأمر بتركيا للبدء بعملية استدارة كبيرة نحو إيران وروسيا بسبب خشيتها من الدعم الأمريكي للأكراد، المسألة الأهم بالنسبة للأمن القومي التركي وفق أدبيات الرئيس أردوغان. اليوم، يقترب حجم التقاطع بين تركيا وأمريكا في سوريا إلى مستوى الصفر تقريباً، وما تبقّى منه يرتبط بملفات اقتصادية وسياسية أخرى أكثر منه ارتباطاً بالأزمة السورية، فتركيا تنهش القوات الكردية التي تعتمد عليها أمريكا، وواشنطن أوقفت الدعم تقريباً للقوات السورية المعارضة التابعة لتركيا.
في الخلاصة، يبدو جليّاً فارق حجم التباين بين حلفاء سوريا من جهة، وبين أعدائها من جهة أخرى، وما الأنباء التي تتحدّث عن خلافات بين إيران وروسيا أو روسيا وحزب الله سوى ادعاءات إعلامية تستهدف التشويش على الحضور الإيراني في سوريا، التباينات قائمة منذ اليوم الأول، وستبقى حتى اللحظة الأخيرة، إلا أنها بطبيعة الحال لن تفسد في الودّ قضية كونها تحت سقف محاربة الإرهاب ودعم سوريا بكل الأشكال الممكنة، ولكن ماذا عن بقيّة الأطراف؟