الوقت-يرخي مناخ انعدام الثقة والتشكيك المتبادل بظلاله على القمة التاريخية المرتقبة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ونظيره الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" وذلك قبل يوم واحد من موعدها المقرر غداً الثلاثاء في سنغافورة وسط حذر متبادل بين الطرفين وصل إلى مرحلة الخوف الأمني.
ففي ظل الظروف الطبيعية لـ"قمة سلام" كما توصف، عادة ما يسيطر على تصريحات قادة البلدين قبيل القمة، الدعوة إلى السلام والأمل بنسج علاقة أفضل بين الجانبين مبنية على الاحترام المتبادل، أما في قمة ترامب- كيم جونغ أون فإن الوضع مختلف، واللغة السائدة لدى كلا الجانبين هي لغة التهديد والترقب والتشكيك برغبة الطرف الآخر ببناء سلام حقيقي وصولاً إلى التحذير من رغبة الطرف المقابل في إفشال القمة قبل أن تبدأ.
فترامب الذي يؤكد أنه بحاجة إلى لحظة واحدة فقط ليصل إلى استنتاج فيما إذا كان بإمكانه التوصل إلى سلام مع الرئيس الكوري الشمالي أم لا، مستعد إلى حد كبير للانسحاب من هذه المحادثات في أي لحظة، ولم يوفر أي فرصة لتهديد بيونغ يانغ بإلغاء هذه القمة، التي تبقى نسبة انعقادها حتى هذه الساعات تصل إلى نسبة إلغائها بالكامل، ووسط هذا التردد الأمريكي فإن الزعيم الكوري كيم جونغ أون هو الآخر لا يشعر بالتردد فقط بل بالخوف أيضاً، فالأخير خائف من أن يتعرّض للاغتيال خلال رحلته إلى سنغافورة، ما يضفي انطباعاً أولياً عن نوعية هذه القمة التي يمكن وصفها بقمة "عدم الثقة والخوف المتبادل".
مجموعة من القرارات المتباينة التي أصدرها ترامب حول عقد القمة وإلغائها، كانت سيدة الموقف خلال الفترة الماضية، حيث أكد البيت الأبيض قبل أيام قليلة أن ترامب سيبحث مع كيم مسألة ترسانة بيونغ يانغ النووية في فندق "كابيلا" (Capella) في جزيرة سينتوسا بسنغافورة، الزعمان للأمانة وصلا فعلاً للتحضير للقاء الغد المرتقب، لكن حجم التوقعات من انعقاد القمة أو عدمها مازال كما هو، ناهيك عن حجم التوقعات من مخرجاتها التي مازالت في أدنى مستوياتها، إذ أكد الرئيس الأمريكي في ختام قمة مجموعة السبع في كندا، أنه ذاهب إلى سنغافورة لنزع السلاح النووي الكوري محذّراً نظيره الكوري الشمالي من إهدار فرصة اللقاء معه قائلاً: إن القمة تمثل "فرصة لمرة واحدة" لإرساء السلام بين البلدين، وأضاف "أشعر أن كيم جونغ أون يريد أن يفعل شيئاً رائعاً لشعبه ولديه هذه الفرصة... إنها لمرة واحدة" مشيراً إلى أن الكوريين الشماليين "يعملون معنا بشكل جيد للغاية" تحضيراً للقمة المرتقبة في سنغافورة الثلاثاء.
وحتى الآن لايزال الرئيس الأمريكي، الذي وصل على رأس وفد ضمّ كلّاً من وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، والمتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، يضمّن تصريحاته تساؤلات بشأن قمته والزعيم الكوري الشمالي، وفيما إذا كانت ستحقق النتائج المرجوة منها، فقد تساءل ترامب " كم من الوقت سيستغرق الأمر لمعرفة ما إذا كانوا جادين أم لا... أعتقد أنه ربما من اللحظة الأولى"، لكنه حاول أيضاً التقليل من التوقعات قائلاً" من يدري، قد لا ينجح ذلك، هناك احتمال قوي بأن ذلك لن ينجح واحتمال كبير أن يستغرق الأمر بعض الوقت"، وأضاف "على الأقل سنجتمع وجهاً لوجه، آمل أن يكون التقدير متبادلاً ونبدأ المسار"، وقال ترامب "أنا في مهمة سلام... علينا التوصل إلى نزع السلاح النووي، يجب أن نحقق شيئاً".
وعلى الطرف المقابل فإن بيونغ يانغ تبدو قلقلة للغاية على حياة زعيمها، إذ أكد مصدر مطّلع بدء التحضيرات لعقد القمة الكورية الشمالية الأمريكية، كما أنّ يونغ يانغ خائفة من أن يتعرّض الزعيم كيم جونغ أون للقتل خلال رحلته إلى سنغافورة، في حين ربط المصدر الذي تحدث لوكالة بلومبيرغ وجود ارتباط بين مخاوف زعيم كوريا الشمالية ومقتل شقيقه كيم جونغ نام، في مطار ماليزيا المجاورة في فبراير 2017، وباختصار وبناءً على ما تقدّم يمكن استخلاص مؤشرين مهمين للأجواء المرافقة لهذه القمة:
تشعر الحكومة الأمريكية بقلق عميق إزاء تدهور هيبتها السياسية ومصداقيتها الدبلوماسية منذ إطلاق محادثاتها المباشرة مع كوريا الشمالية والحديث عن إمكانية عقد اجتماع بين ترامب وكيم جونغ، فوسائل الإعلام الأمريكية والمحللون السياسيون لم يتوقفوا عن مطالبة ترامب باتفاق تاريخي مماثل لما حققه سلفه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خلال المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، ويرون أن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لم يكن في مصلحته أبداً، وعلى الأخير أن يستدرك بعضاً من أخطائه أمام الرأي العام الأمريكي باتفاق نووي مع كوريا الشمالية، رغم أن أكثر المراقبين تفاؤلاً لا يتوقعون أن تخرج إدارة ترامب باتفاق أفضل مما خرج به أوباما وإدارته، لكن رفع ترامب لسقف مطالبه بنزع السلاح النووي دفعة واحدة جعل وضعه أكثر صعوبة، خاصة أن بيونغ يانغ لا تثق نهائياً بالوعد الأمريكي الذي قُدّم لها مقابل التخلي عن أسلحتها.
من ناحية أخرى فإن الصورة السيئة التي رسمها ترامب لمصداقية بلاده ومدى التزامها بتعهداتها الدولية بعد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، تجعل القيادة الكورية تعتبر أنّ التفكير كثيراً قبل إبرام أي صفقة تجردها من أسلحتها مع أمريكا مهم بحجم الوعد والضمانات الأمريكية، إضافة إلى أن ترامب رسم لنفسه صورة متخبّطة عالمياً وبات مفتعل أزمات مع أقرب حلفائها (الاتحاد الأوروبي وكندا)، فما الذي سيدفع بيونغ يونغ لوضع كل بيضها في سلة رجل متهور لا يستند في أحكامه وقيادة بلاده إلى أي وثائق أو شرائع دولية وذلك بشهادة القريب قبل العدو، وعليه فإننا لا نستغرب ألّا تخرج قمة ترامب كيم غداً بشيء يذكر.