الوقت- تشير أحدث الدراسات في مجال الـ "التفكير النظمي" إلى أن المشكلات الموجودة في الهيكلية والبناء القانوني (الطبيعي) للأمور، هي التي تؤدي إلى ظهورها، ويعدّ المنهج التركيبي فرعاً من هذا مجال، الذي من سماته الأبرز النظر إلى المشكلات بشمولية، ويتطلب هذا الأمر أن يقطع التفكير حدود التخصص مراراً عودة وذهاباً حتى يعود بالحل، من خلال آليات عمل معروفة، كالعصف الذهني، والنموذجة، والمحاكاة، إلخ... وعلى سبيل المثال سمّ الأفعى قاتل بالنسبة للإنسان لأن تركيبة الإنسان قائمة على هذا الأمر، بينما قد لا يكون هذا النوع قاتلاً للعديد من الكائنات الحيّ، مثال آخر العيش تحت الماء قاتل للإنسان، بينما هو المكان الطبيعي للأسماك، ومن هنا تسعى أحدث الدراسات لمعالجة المشكلات والأزمات الاجتماعية انطلاقاً من محاولات الإصلاح في البعد البنيوي والتنظيم، بينما كان النهج السائد سابقاً يقوم على محاولات إصلاح آثار هذه المشكلات، لا أصل المشكلة.
حسب رأي الباحثين، فإن جذور المشكلات الحالية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الإرهاب والأزمة الحدودية بين تونس وليبيا وقضايا الحدود والهجرة بين أمريكا والمكسيك وتغير المناخ والتهديدات في آسيا، والأزمات في الشرق الأوسط وميانمار وأماكن أخرى هي كما يلي:
1- فشل التعددية والاستفادة الأحادية من القدرات في العالم: فعندما لا تستطيع القوى الكبرى تحقيق أهدافها عبر منظمة الأمم المتحدة، تقوم بتشكيل ائتلاف وتتخذ إجراءات خارج آلية الأمم المتحدة، وفي هذا الصدد، نرى اليوم الانسحاب الأحادي الجانب لأمريكا من معاهدة باريس والاتفاق النووي، وهما اتفاقيتان دوليتان تظهران بشكل واضح الأحادية التي تعتمدها أمريكا خارج جدار الأمم المتحدة، ويمكن للاتفاقيتين دون شكّ أن تولدا مشكلات جديدة في السلام والأمن الدوليين وتغير المناخ.
2- عدم احترام الثقافات الأخرى: بعض القوى في العالم تسمح لنفسها بفرض الإذلال على الثقافات الأخرى لا بل فرض قيمها الثقافية على الأمم الأخرى، وفي هذا الصدد شرح الدكتور خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، هنا أنه عندما كان سفيراً ومندوباً دائماً لإيران لدى الأمم المتحدة، اقترح قراراً في هذا الشأن للجمعية العامة للأمم المتحدة وتم إصداره، وبالإضافة إلى ذلك، تحدّث عن حوار الحضارات بدلاً من صراع الحضارات، والذي تابعته إيران بقوة قبل أحداث 9 سبتمبر.
3- تدخل السلطات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى: بما في ذلك الغزو العسكري للبلدان الأخرى لتغيير نظام تلك البلدان، الذي هو في حدّ ذاته عامل أساسي أدّى إلى ظهور الإرهاب وانتشاره بشكل واسع، وما نراه اليوم في ليبيا وسوريا واليمن، أمثلة على استخدام القوة لتغيير الأنظمة وتطور الإرهاب واستخدامه كأداة من قبل القوى العالمية من أجل تحقيق مطامعها.
4- ازدواجية المعايير عند القوى العالمية: بالنسبة لشرح هذه الجملة نجد أن ازدواجية المعايير هي الاقتناع بمجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاماً مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، وسياسة الكيل بمكيالين هي مبادئ ينظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة معينة من الناس، ولكن عندما تستخدمها مجموعات أخرى تعدّ من المحرمات والمبادئ غير المقبولة، ويرى باحثون أن واقع الممارسات الدولية في إطار المنظمات الدولية أو في إطار العلاقات بين الدول لم تنضبط بأطر العدالة والاحترام المتبادل لحقوق الأمم والشعوب، حيث اتسم واقع المنظمات الدولية بازدواجية المعايير في أخذ القرارات والتعامل مع القضايا الدولية الأمر الذي أدّى إلى استياء عام في أوساط الأمم والشعوب التي لم تتفاعل المنظمات الدولية مع حقوقها، وقد أدّى هذا السلوك الدولي المزدوج إلى تعريض السلام العالمي للخطر، وتزايدت أعمال العنف وتنامت الحركات التي تعتبر العنف وسيلة وحيدة وفاعلة للتغيير.
وتتسم هذه الازدواجية في قضايا كثيرة من بينها قضية فلسطين (أو ما يعرف دولياً بقضية الشرق الأوسط) حيث عجزت المنظمة الدولية عن إيقاف ظلم الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وأيضاً قضية محاربة أمريكا للإرهاب في حين تقف إلى جانب الدول التي تدعم الإرهاب كالسعودية، وأيضاً قضية دارفور، وقضية الأسرى والمعتقلين حيث يقارن الباحث بين تلك المبادئ الحقوقية التي أصبحت جزءاً من القانون الدولي وواقع الممارسات الدولية في رعاية الحقوق، مبرزاً الخرق الواضح للاتفاقيات المبرمة التي تمت بوساطة أمريكا بهذا الخصوص وعجز الأمم المتحدة عن التحرك نحو تنفيذ تلك الاتفاقيات أو محاسبة الذين خرجوا عن القانون الدولي.
إن هذه الأسباب جميعها يمكن إعادتها إلى سبب رئيسي واحد يتعلّق بالنظام الدولي القائم، حيث إن هيكلية النظام الدولي الحالي هي التي أفضت إلى هذا الواقع المذري، وبالتالي إذا لم تحصل عملية إصلاح كبيرة في الهيكلية الحالية للنظام الدولي سوف تستمر هذه الأزمات وتتفاقم، ولنحل هذه المشكلات رغم اختلاف مواضع التطبيق علينا اتباع منهجية التفكير النظمي التي تتطلب النظرة الشمولية لعناصر المشكلة، وفتح الاحتمال لإيجاد الحلول من أي من العناصر ذات الصلة.