الوقت- يعرف مؤسس جماعة الاخوان المسلمين ومرشدها الأول الاستاذ حسن البنا الجماعة بأنها "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وفكرة اجتماعية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية".
جاء ذلك خلال خطاب وجهه البنا إلى المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان عام 1938م اي بعد مرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة.
ويبدو ان الجمع بين المنهجين الصوفي والسلفي أمر غريب وغير ممكن في ظل النزاع القائم بينهما في الوقت الحاضر. ولكن البنا تمكن من ذلك من خلال التمسك بمبادئ هذين المنهجين والتخلص من الانحرافات التي طرأت عليهما عبر الزمن. أي بمعنى آخر من خلال العودة الى كتاب الله وسنة رسوله الاكرم (ص) وفهم الاسلام القائم على أساس الحب في الله وطهارة الروح ونقاء السريرة ومراقبة النفس والتمسك بالفضائل والابتعاد عن الرذائل؛ هذه المفردات التي يحمل كل منها فهماً ومعنىً خاصاً لدى كل من الصوفية والسلفية.
ولم يفطن مؤسس جماعة الاخوان لهذه الحقيقة – عدم التعارض بين السلفية والصوفية - من خلال دراساته ومطالعاته فقط، بل تمكن من الجمع بين المنهجين في ثقافته وسلوكه منذ شبابه وقبل تأسيسه للجماعة عام 1928.
فالبنا تلقى معارفه الدينية الاساسية من المنهج السلفي ومارس طقوس هذا المنهج في بداية حياته بصحبة والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الذي كان مدرساً ومؤلفاً لعدد كبير من كتب الأحاديث، وكذلك بصحبة معلمه الشیخ محمود الزهران في قرية المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة شمال مصر. ولم يمنعه ذلك من المشاركة في طقوس الطريقة الصوفية التي لم تكن بالنسبة له مجرد حلقات للذكر، بل وسيلة للتقرب الى الله سبحانه وتعالى، وتطهير النفس والقلب من علائق الدنيا والتفاني في خدمة الانسانية. ولهذا يمكن القول إن البنا جمع بين المدرسة الاسلامية التقليدية وتعلم منها السمو المعنوي والروحي وتذوق كذلك طعم الطريقة السلفية التي كان يديرها في ذلك الوقت الشيخ محیي الدين الخطيب. وكان البنا حينها يقضي شطراً من وقته مع الشيخ رشيد رضا صاحب مجلة "المنار" وزادت في تلك الفترة علاقته بالأدب الصوفي.
ولم يكتف البنا بالتأسف على ما كان يراه من تقهقر اجتماعي بسبب إبتعاد المجتمع عن الاسلام وعدم تحكيمه لشرائعه وتعاليمه في مختلف شؤون الحياة؛ بل كان يعيش قلقاً روحياً عميقاً ازاء هذا الوضع. وعندما أنهى دراسته في دار العلوم دوّن ما كان يجول بخاطره من قيم ومبادئ. وكان يكتفي في بداية تحركه بوعظ الناس وإرشادهم الى التمسك بهذه القيم والمبادئ والجمع بين عقيدة السلف الصالح والطريقة الصوفية الصحيحة من خلال دعوتهم الى التعرف على اصول وأسس كلا المنهجين والابتعاد عن الدخول في أي نزاع قد يسببه التمسك بأحدهما تجاه الآخر.
وتمكن البنا كذلك من الجمع بين عقيدة عامة أهل السنة باسلوب جذاب وعدم التورط بالبدع عندما كان السلفيون المصريون ومعهم عامة المشرق العربي يتمسكون بالاعتدال قبل أن تتوجه بعض المدارس السلفية الى المذهب الوهابي الذي إشتد تطرفه بعد وفاة مؤسسه محمد بن عبد الوهاب.
ولازال الكثير من المصريين متمسكون حتى اليوم بالطريقة الصوفية التي تدعو الى نبذ التكالب على الدنيا والتمسك بالقيم الروحية والاخلاقية. وهو ما دعا اليه أيضاً الاستاذ حسن البنا وأثر بشدة في اتباعه في جماعة الاخوان المسلمين خصوصاً أثناء حياته عندما كان يسعى الى الجمع بين الأفكار الاسلامية المختلفة لإعتقاده بأن التنوع في الأفكار والعادات لايمكن تجنبه باعتباره سنّة من سنن الحياة.
وكان البنا يسعى أيضاً الى الجمع بين السلفية الراديكالية والصوفية الحقيقية لتكوين منهج جديد تستفيد منه الأمة يعتمد الحداثة والاعتدال والعقلائية في الطرح. وكان يدرك أهمية التقارب بين السنة والشيعة وضرورة نبذ الفرقة باعتماد طرق بنّاءة تحفظ خصوصيات المذاهب دون الحاجة لدعوتها للذوبان في المذاهب الاخرى. وهذا النهج كان على الاخوان التمسك به طيلة مسيرتهم رغم الصعاب والتحديات القاسية التي كانت تواجههم والتي كان من أبرزها الصراع الذي أدى الى الإصطدام بقيادة الثورة عام 1952 وتسبب بإلحاق خسائر جسيمة بالاخوان.
ونجم عن هذه التحديات ردود أفعال ظهرت في كتابات المرحوم سيد قطب تبلورت كمفاهيم جديدة تدعو للإنعزال عن المجتمع وتتهم بعض شرائحه بالجاهلية. هذه المفاهيم كانت تعبر في الواقع عن صدمة حقيقية واجهها الاخوان في ذلك الوقت. ومع هذا لايمكن اتهام الاخوان بأنهم كانوا سلفيين متطرفين في تلك الفترة، إذ لم يأت سيد قطب بشيء مغاير لما كانت عليه جماعة الاخوان في السابق. كما لم يكن أتباعه وأنصاره يحملون أفكاراً مغايرة لما كان يحمله مؤسس الجماعة حسن البنا.
ومن الغريب الادعاء بأن اتباع سيد قطب هيمنوا على جماعة الاخوان في السنوات الاخيرة. فهذا الادعاء رفضه حتى صاحبه في مقالة نشرها في صحيفة الحياة بتاريخ 14 آذار / مارس عام 2010 تحت عنوان "الاخوان بين قطب والبنا، وهل للقطبين وجود الآن؟". وكانت هذه الادعاءات جزءاً من حملة اعلامية شرسة تعرض لها الاخوان وبلغت ذروتها في مسلسل "الجماعة" الذي عرضه التلفزيون المصري في شهر رمضان عام 2010. والذي زعم فيه كاتب السيناريو أن سيد قطب لو لم يكن قد أعدم وقُيض له البقاء زمناً أطول لكان من المحتمل أن يعيد النظر في كتابه "معالم في الطريق"، وربما ألف كتاباً آخر لا يختلف بمضمونه عن كتاب "دعاة لا قضاة" الذي ألفه المرشد العام الثاني للاخوان حسن الهضیبي والذي يعد من كتب الاخوان المعتدلة التي سعى من خلالها الهضيبي الى ردم الهوة بين التيارين السلفي والصوفي التي لاتزال سائدة حتى الآن. بالاضافة الى ما تضمنه الكتاب من تأثير ملموس لمد جسور الثقة بين الاخوان والليبراليين الوطنيين المصريين ودعوتهم الى التعاون والتنسيق فيما بينهم لحمل هذا التراث الثقافي القيِّم لصنع مستقبل زاهر يليق بمصر وبشعبها العريق.