الوقت- إذا كنت تريد أن تعلم إن كانت بلادك مصنّفة ضمن الدول التي تنتهك حقوق الإنسان ليس عليك سوى أن تطلع على التصنيف الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية للدول التي تزعزع الاستقرار وتنتهك حقوق الإنسان، التصنيف الأخير صدر يوم الجمعة الماضية وجاء فيه أن كلّاً من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية تعدّ حكومات "مدانة أخلاقياً"، وقالت الوزارة إنها تنتهك حقوق الإنسان يومياً ما يجعلها "نتيجة لذلك قوى مزعزعة للاستقرار".
راقبوا معي الدول التي اختارتها واشنطن واعتبرتها مزعزعة للاستقرار العالمي، أوليست هي نفس الدول التي تصنفها أمريكا على أنها تشكل أكبر تهديد بالنسبة لها، حيث لم يتوقف المسؤولون الأمريكيون ومنذ وصول ترامب إلى الحكم عن مهاجمة الدول الآنفة الذكر، وخلال العام الماضي قال الجنرال جوسف دنفورد، أحد أهم الضباط العسكريين الأمريكيين، للكونغرس أنه يتوقع أن تصبح الصين "الخصم الأكبر" لأمريكا بحلول عام 2025.
إذاً مسألة انتهاك حقوق الإنسان تفصّلها واشنطن على مقاسها ومقاس سياستها التي بدأت تبدو مضطربة وأكثر عدوانية في ظل بروز نجم هذه الدول الأربعة التي بدأت تقلب الطاولة على السياسة الأمريكية وتفردها بقيادة العالم لعدة عقود، وهذا الصعود السريع لهذه الدول جعل شمّاعة مكافحة الإرهاب غير كافيّة بالنسبة لواشنطن، لذلك تعمد اليوم إلى استخدام شماعة حقوق الإنسان.
وهل من باب المصادفة أن تهاجم أمريكا فقط هذه الدول الأربعة التي وردت في خانة التهديدات وتضعها اليوم في خانة انتهاك حقوق الإنسان؟ ماذا عن السعوديّة؟ ماذا عن الكيان الإسرائيلي الذي أثار حفيظة المجتمع الدولي؟ السؤال الذي يجب أن نسأله هنا ما هي حقوق الإنسان التي يتشدّق بها الجانب الأمريكي؟!.
أولاً: جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن الجريمة ضد الإنسانية هي أي هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسري للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها، بصرف النظر عن ارتكابها وقت الحرب أو السلام.
ما هي الأفعال التي لم ترتكبها أمريكا من النقاط المذكورة أعلاه؛ بالتأكيد ارتكبتها جميعها على مدار تاريخها القديم والحديث، وسجلها في انتهاكات حقوق الإنسان لا يمكن أن نحصيه بعشرات المقالات.
ثانياً: عند إصدار الوزارة تقارير ممارسات حقوق الإنسان في دول العالم عن عام 2017، قال القائم بأعمال وزير الخارجية، جون سوليفان، إن أحدث استراتيجية للأمن القومي الأمريكي تقرّ بأن فساد وضعف الحكم يهدد الاستقرار العالمي والمصالح الأمريكية، وما أثار اهتمامي النقطة الأخيرة التي تحدّث عنها سوليفان عندما قال، إن أمريكا تسعى لأن تكون مثلاً يحتذى للدول الأخرى في الترويج للحكم العادل والفعّال، الذي يستند إلى سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
سنُذكّر السيد سوليفان ببعض الترويج للحكم العادل والفعّال الذي تمارسه واشنطن داخل البلاد وخارجها، فبلاده الكريمة قتلت 112 مليون إنسان من الهنود الحمر، حيث تمت إبادتهم بأبشع الأساليب والطرق الوحشية على مدار 150 عاماً، وفي خمسينات القرن الماضي استخدمت واشنطن الأسلحة الكيمائية في حربها مع فيتنام ولا يزال أطفال فيتنام يعانون التشوهات الخلقية والجسدية والعذابات اليومية حتى الآن، وهي التي قامت بإلقاء قنابل نووية على مدن مسكونة قتلت فيها 220,000 إنسان ياباني عام 1945، تلك الأسلحة التي تصنف أنها من ضمن أسلحة الدمار الشامل فمن يستخدمها ومن يفعل ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بأنه يهتم للإنسانية، وسجل انتهاكاتها طويل جداً ويحتاج إلى مجلد كبير للإحاطة به.
ومؤخراً اتهمت منظمة العفو الدولية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتباع سياسات تتسم بـ "الكراهية وتهدد حقوق الإنسان". وقالت "هيومن رايتس ووتش": ترامب "كارثة" على حقوق الإنسان ويشجع المستبدين.
ثالثاً: لماذا تتعامى واشنطن عن حلفائها الذين ينتهكون حقوق الإنسان جهاراً نهاراً ويقتلون الأطفال ويستخدمون الأسلحة المحرمة دولياً، فكيف يمكن لأمريكا التي تعتبر نفسها مثالاً يحتذى به في مجال حقوق الإنسان أن تتعامى عن انتهاكات آل سعود لحرمة اليمن وقتل أطفاله وتدمير بنيته التحتية وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل التي هجّرت سكان دولة بأكملها وتحاول أن تقضي على تراثها وتاريخها الحضاري، أم لأنها تبيعهم الأسلحة التي يقتلون بها البشر لم يتم تصنفيهم ضمن الدول المهددة للاستقرار.
رابعاً: لا نستبعد أن تلجأ واشنطن إلى تحريك هذه الملفات بقوّة على الساحة الأممية، وأن تبدأ الجمعيات الحقوقية المدعومة أمريكياً برفع الصوت ضدّ "الأعداء"، وبعد ذلك قد تلتحق بها العديد من المنظمات ذات الصبغة الدوليّة.
خامساً: ترامب لا يعوّل كثيراً على الأمم المتحدة إلا بما يؤمّن مصالح واشنطن، وهو يعتبرها وبكل صراحة "لا تحقّق أهداف بلاده"، ولا يدخر جهداً بالالتفاف على الأمم المتحدة لتمرير مصالحه وقرارته دون إعارة أي أهمية للقانون الدولي، فعلى سبيل المثال تحرّك ترامب خارج الأمم المتحدة في قرار نقل السفارة بل هدّد كل من يعارضه، وتجاهل أزمة "الروهينجا" في الأمم المتحدة.