الوقت- مع موجة الأخبار القادمة من واشنطن حول نية إدارة ترامب إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، واستبدال القوات الأمريكية هناك بتحالف عربي يضمن "الاستقرار شمال شرقي سوريا"، لا يمكننا تجاهل مستقبل الأكراد في تلك المنطقة بعد أن كانوا يعوّلون على بقاء القوات الأمريكية وقتاً أطول والذي كان من المقرر أن يصل إلى مدة ثلاث سنوات على الأقل، لكن الظروف تغيرت بفضل تعاظم قوة المحور المواجه لواشنطن، ومع تغير الظروف الحالية يبقى مصير الأكراد مجهولاً في بيئة لم تعد تقبل "الانفصال" عن الوطن الأم.
ماذا ينتظر الأكراد عندما تخرج أمريكا "الخنجر الذي طعن الأكراد عشرات المرات"، هل سينزف الأكراد سياسياً ويتجهون نحو "دمشق" لبدء حوار جدي وفعّال معها يخدم مصالح الاثنين، أم سينتظرون القوة العربية المشتركة القادمة نحو الشمال الشرقي ليتحالفوا معها ويحاولوا مجدداً بناء مشروعهم الانفصالي؟!.
أولاً: ليس في مصلحة الأكراد حالياً أن يعقدوا تحالفات جديدة سوى مع العاصمة دمشق التي تسيطر على أغلبية الأراضي السورية وتحرر المزيد يوماً بعد يوم، أما القوة العربية المشتركة فلا مستقبل لها لاعتبارات عديدة، منها مشكلاتها مع الجوار وحصار بعضها وكون بعضها الآخر تربطه بسوريا علاقات أمنية وتبادل معلومات ومنها من هو عاجز أصلاً عن إرسال قوات، وبما أن الأصيل عجز عن البقاء في بيئة رافضة له ولبقائه فكيف بالوكيل.
ثانياً: الحلم الكردي يفتر يوماً بعد يوم ويتجه نحو الاضمحلال في ظل واقع وظروف تمنع تحققه، ويصطدم في الحقيقة بنوعين من العقبات:
1- عقبات محلية أمام مشاريع الأكراد: سوريا، والنسيج العربي القائم كون سوريا قبل الأزمة رغم جميع الأخطاء تمنع أي حديث قومي أو طائفي أو مذهبي، والأكراد لم يتعاملوا بذكاء مع هذا النسيج الوطني متجاهلين بقية القوميات التي لا يمكن اجتثاثها من المحيط الكردي.
2- عقبات خارجيّة: تركيا، العراق، إيران وروسيا بدرجة أقل، ولا يمكن للأتراك أن يسمحوا للأكراد بأي شكل تشكيل دولتهم مهما كلّف الثمن، وقد شاهدنا ماذا فعلوا في عفرين وغيرها لمنع تحقق هذا الأمر، وكيف خذلتهم واشنطن عندما كانوا بأمس الحاجة لها.
وحتى توجّه الأكراد حالياً نحو الجانب الروسي لن يجدي نفعاً، بل سيجعلهم أيضاً يخسرون الورقة الأمريكية، لذلك من المستبعد المناورة عبر هذه الورقة.
ثالثاً: يتحمل الأكراد جزءاً كبيراً من المشكلات التي يتورطون بها دائماً والتي يعود السبب الرئيسي فيها إلى "الثقة بالأمريكي والاعتماد عليه"، ومن ناحية أخرى لم يراعوا نسيجهم الوطني بل حاولوا استغلال الفرصة، ناهيك عن تجاهلهم لما حدث مع إخوانهم في العراق، حتى إنهم لم يستمعوا للنصائح التي قدّمتها جميع الأطراف لهم ومنها الحكومة السورية نفسها، التي فتحت لهم جميع أبواب الحوار والتعاون لكنهم رفضوا الدخول وفضلوا الباب الأمريكي عليها.
رابعاً: واشنطن لاعب ذكي مع الأكراد كونها دائماً تعمل على إيهامهم بأنها لن تتخلى عنهم، ويمكنها لعب هذا الدور ببراعة، وللتأكيد يوم أمس كشفت وثيقة موازنة وزارة الدفاع الأمريكية لـ 2019 عن طلب "البنتاغون" أسلحة وذخائر لقوة مؤلفة من 60 إلى 65 ألف مقاتل من القوات الكردية "قوات سوريا الديمقراطية". وطلب البنتاغون في موازنة الدفاع للعام المالي 2019 التي عرضها على الكونغرس، في فبراير الماضي، دعم أسلحة بقيمة 300 مليون دولار للقوات المتعاونة مع واشنطن في إطار مكافحة تنظيم داعش بسوريا.
لواشنطن نقول ماذا ينفع التسليح في هذه المرحلة التي تشهد ضمور أمريكا وحلفائها، هل التسليح جرعة أمل كاذبة تقدّمها واشنطن للأكراد على طبق عربي، في الحقيقة التسليح لن ينفع بل سيزيد الأوضاع تأزماً ويتسبب في هدر المزيد من الدماء، خاصةً أن واشنطن تحزم حقائبها للخروج من سوريا لتترك الأكراد في مهبّ الريح مجدداً، فهل يستطيع الأكراد مواجهة الجيش السوري؟!، لا يمكن ذلك وبالتالي الفيدرالية لن تتحقق لأن الظروف لا تسمح لهم اليوم بذلك، وموازين القوى لم تعد في مصلحتهم.
الطريق الأمثل للأكراد اليوم يتمثّل في التوقّف عن أخطائهم السابقة وأن يثبتوا حسن نواياهم بتسليم الأسلحة الثقيلة للجيش السوري، وهذا ما لم يفعلوه في عفرين رغم موافقتهم في البداية، إلا أنهم عندما صمدوا في الأيام الأولى أمام للعدوان التركي تراجعوا عن تسليم أسلحتهم فحصل ما حصل.
عليهم اللعب على وتر القواسم المشتركة مع الدولة السورية للحصول على اللامركزية الإدارية الموسعة، ولعل استمرارهم في هذا النهج القائم سيمنعهم حتى من التسوية على هذا الأساس.
قد يرى البعض أن هذا الكلام بعيداً نوعاً ما عن الواقع، لست أتحدث هنا عن مثاليات بل عن مصلحة الأكراد أنفسهم، هم يملكون القرار الأوّل والأخير، وهم من سيتحمّلون النتائج.
ولكي يتمكن الأكراد من الحصول على بعض المزايا في المستقبل القريب القادم والذي ستحدده دمشق لا محالة كونها اللاعب الأقوى حالياً على الساحة السورية، عليها خفض سقف طموحاتها والجلوس على طاولة حوار واحدة لرأب الصدع وتصفية القلوب والتطلع نحو بناء مستقبل سوري مشترك يعود بالفائدة على الجميع.