الوقت – من التلفاز إلى البيت الأبيض؛ هذا هو حال "جون بولتون" الذي كان محللاً للسياسة الخارجية الأمريكية في قناة فوكس نيوز، وقد اختاره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليكون مستشاراً للأمن القومي، وكان ترامب من متابعي هذه القناة بشكل مستمر كما يقال.
ومع دخول بولتون إلى البيت الأبيض انضم متطرف آخر إلى المتطرفين المحاطين بترامب.
تناول الموقع الالكتروني لمجلة اشبيغل الألمانية يوم السبت الماضي حدود صلاحيات جون بولتون في منصبه الجديد، وقال الموقع إن بولتون يعتبر "الكلب المفترس من المحافظين الجدد" والذي مازال يدافع عن غزو العراق.
منصب مستشار الأمن القومي ليس أول منصب سياسي لبولتون، فالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش كان قد عينه سفيراً لأمريكا في الأمم المتحدة في عام 2015، وقد عارض الكثيرون حينذاك ترفيع بولتون إلى مثل هذا المنصب حيث أرسل 100 نائب أمريكي رسالة إلى نواب مجلس الشيوخ وطالبوا برفض ترشيح بولتون إلى ذلك المنصب لكن جهودهم باءت بالفشل.
كما يمكن للرئيس الأمريكي أن يعين مستشار الأمن القومي بشكل مباشر حيث لا يحتاج تعيين موظفي البيت الأبيض إلى تأييد مجلس الشيوخ.
مدى نفوذ بولتون ودوره الآتي
من المعروف أن مستشار الأمن القومي يقوم بتنسيق السياسات الخارجية والأمنية للحكومة وهو أحد أهم مستشاري رئيس الجمهورية، ويقدم هذا الشخص تقريراً مستقلاً إلى رئيس الجمهورية وعندما يستقبل رئيس الجمهورية رئيس الـ "اف بي آي" أو وزير الدفاع سيكون إلى جانبه، يقع مكتب بولتون في البيت الأبيض إلى جانب مكتب رئيس الجمهورية، حيث سيكون العنوان الرسمي لمنصب بولتون الجديد هو "مساعد الرئيس في شؤون الأمن القومي".
كان مستشار الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش "استيفن هادلي" قد وصف عمله بالشكل التالي: (كن وسيطاً صادقاً، قم باطلاع الرئيس بشكل منصف وشفاف وشامل، احصل على ثقة زملائك، كن غير مرئي، استغن عن زملائك إلى حد كبير، وقدم استشاراتك إلى رئيس الجمهورية بشكل سري).
ولا يقتصر عمل مستشار الأمن القومي على تنظيم الملف الأمني اليومي لرئيس الجمهورية بل يقوم أيضاً بتجميع ما يحصل عليه من الوزارات والأجهزة الأمنية التي سيبحث مجلس الأمن القومي بشأنها، بالإضافة إلى تنسيق الإجراءات المختلفة لمواجهة الأزمات الموجودة وتدوين الاستراتيجيات الخاصة بذلك، وفي سياق القيام بوظائفه يجب عليه أن يلحظ دوماً السياسات الاقتصادية والدبلوماسية للرئيس الأمريكي، كما يفترض أن يكون منصب مستشار الأمن القومي بعيداً عن تأثير التيارات السياسية.
معالجة القنبلة بالقنبلة
يقدم مجلس الأمن القومي استشاراته إلى الرئيس الأمريكي فيما يخص أهم قضايا السياسة الخارجية والقضايا الأمنية، وتتألف هذه المؤسسة من نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الخزينة ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي، ويرأسها رئيس الجمهورية.
وتتمحور مناقشات مجلس الأمن القومي الأمريكي في الوقت الحالي حول كيفية مواجهة إيران وكوريا الشمالية.
وقد كتب جون بولتون مقالاً في جريدة نيويورك تايمز في عام2015 حدد فيه نهج مستشار الأمن القومي الجديد قائلاً " نحن يجب أن نقوم بقصف إيران بالقنابل لمعالجة قضية قنابل إيران"، ويقدم بولتون حلّاً متطرفاً مشابهاً لقضية كوريا الشمالية وقد جدد مؤخراً دعمه للهجوم الوقائي على كوريا الشمالية.
قرار ترامب سيحدد مدى قوة بولتون
يتوقف مدى تأثير مجلس الأمن القومي على سياسات واشنطن، على إرادة وقرار الرئيس الأمريكي، فالرئيس "جون كنيدي" قد قلّص من قدرة مجلس الأمن القومي، وزاد من قوة الرئيس، كما همّش الرئيس "جونسون" هذه المؤسسة إلى حد كبير.
ورغم ارتباط مستشار الأمن القومي بوزارة الخارجية بشكل رسمي إلا أنه في الحقيقة يجب أن يعمل بشكل مستقل لكنه أمر سيولد الاحتكاك، وهذا كان سبب الخلاف الشهير بين برجينسكي (مستشار الأمن القومي لجيمي كارتر) وسايروس فانس (وزير الخارجية الأمريكي آنذاك) حيث وصل الجدل بين الاثنين إلى وسائل الإعلام، وأدى إلى توجيه ضربة إلى مكانة مجلس الأمن القومي، كما كان هناك خلاف مماثل أيضاً بين كوندوليزا رايس (أول امرأة ترأس مجلس الأمن القومي) وديك تشيني (نائب جورج بوش)
تعيين "بينن".. خطوة مثيرة للجدل
منذ بدء عمل إدارة ترامب تم تسليط الأضواء على مجلس الأمن القومي الأمريكي، وقد قرر ترامب في يناير 2017 تعيين كبير مستشاريه المثير للجدل "استيفن بينن" عضواً في لجنة قادة مجلس الأمن القومي، وقام ترامب في نفس الوقت بإبعاد المشرف على منظمة الأمن القومي ورئيس أركان الجيش من فريقه الحكومي.
نفّذ ترامب هذه الخطوة حينذاك عبر إصدار قرار، خلافاً لرأي معارضيه، وكان منتقدو ترامب يعتبرون تعيين "بينن" محاولة لتسييس مجلس الأمن القومي ومخالفة لمعايير الجدارة والاختصاص، لكن بعد ذلك عادت هيكلية هذه المؤسسة إلى شكلها الطبيعي ولم يعد "بينن" الآن من موظفي البيت الأبيض.
وسيواجه بولتون مشكلات تنظيمية في بداية تسلمه لمنصبه الجديد وذلك بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة له شخصياً. كما توجد حتى الآن مناصب مهمة شاغرة سواء في وزارتي الخارجية والدفاع أم في الأجهزة الامنية وإن أحد هذه المناصب هو منصب السفير الأمريكي في كوريا الجنوبية الشاغر، وهذا فراغ في حال تم ملؤه بـ"بولتون" فإنه قد يحرم من أحد أهم مواطئ قدمه.
المصدر: دويتشه فيله