الوقت - يُذكر أنه بعد الانتهاء من مجزرة ديرياسين المريعة قاموا بأخذ أطفال القرية الذين بقوا على قيد الحياة، وطافوا بهم غربي مدينة القدس، شعوراً بالانتصار ثم ألقوهم في باب الخليل بالقرب من البلدة القديمة.
وبكل وقاحة أقاموا في التلة المواجهة لدير ياسين من الناحية الجنوبية عام 1953م متحفا للكارثة، لتخليد ذكرى المحرقة النازية المزعومة هناك.
وبعد اكثر من ستة عقود تقوم القوات الإسرائيلية باقتحام مستمر للأقصى المبارك مدججة بكل أنواع الأسلحة تصول وتجول في جميع ساحات المسجد الاقصى مع المئات من المستوطنين ولم يقف امامها سوى عدد قليل من المرابطين من المقدسيين يقفون باجسادهم امام الاعيرة المطاطية وقنابل الغاز وقنابل الصوت ناهيك عن اعتقالهم وقضاء فترات مختلفة من السجن والإبعاد عن المسجد الاقصى باتهام الدفاع عنه. وهذا هو جزء صغير من تاريخ طويل من الاضطهاد والظلم والاحتلال يعانيه الشعب الفلسطيني خلال القرن المنصرم.
في ظل هذه المظلومية جاء الامام الخميني (قدس سره) ليعيد للاقصى مقامه وموقعه في ضمير الامة الاسلامية وليجعل القدس محورا ليس فقط لوحدة المسلمين بل لاحرار العالم اجمع وليكون تحريره واجباً ليس فقط إلهياً بل وإنسانياً وأخلاقياً على الانسانية جمعاء.
فأمام ما يشكله المسجد الأقصى من موقع ثابت في يوميات السياسة العدوانية الإسرائيلية ما بين الاقتحامات والتصريحات والتحكم بدخول المصلين عبر فرض قيود عمرية وجغرافية على أهل القدس والضفة والقطاع، بالإضافة إلى استهداف المقدسيين بشكل عام والمرابطين بشكل خاص، فإن الإمام الخميني رحمه الله قد وضع المسجد الاقصى بشكل خاص على رأس أولويات ثورته الإسلامية المباركة؛ ومن المستحيل أن يتم الحديث عن أفکار الإمام الراحل قدس سره بما يخص القضية الفلسطينية ولم تذكر القدس والمسجد الاقصى وحثه المسلمين على تحرير قبلتهم الاولى من براثن الإسرائيليين المعتدين.
اليوم ايضا وفي ظل تخاذل الدول العربية والاسلامية وتآمر عدد كبير منهم ضد القضية الفلسطينية لم يخرج الوضع في الأقصى عن هذا الإطار بين من ينوي طمسه من جهة وبين من يجاهد ويكافح لتحريره مستلهما افكار وايدئولوجيات الجهاد والكفاح ضد الظالم وعلى راسها ما خط لهم الامام الراحل في هذا المضمار.
ويؤكد بعض القادة الفلسطينيين ان هذا النهج الثوري الذي أسس له الامام الخميني (قدس سره) وتبعته بعض الفصائل الفلسطينية يعتبر احد الاسباب الرئيسية لتباطؤ الکيان الإسرائيلي في تمرير مشاريعه لتهديم الاقصى رغم استهدافه المستمر لهذا المدينة والمسجد.
فاليوم وفي ظل ما نراه من احداث في الشرق الاوسط من خطط بلافتات داعشية ووهابية وتكفيرية تسعى لإبعاد قضية القدس كمحور للصراع وكرمز للنضال وتغيير الرأي العام تجاهه من مكون حضاري وديني وسياسي الى عبء على السياسات الخارجية للدول العربية والاسلامية بالرغم مما نراه من استمرار للعدوان الإسرائيلي على الأماكن المقدسة وعلى الأرض والسكان في القدس وسعيه المستمر لاحتلال القطاع الشرقي من المدينة (البلدة القديمة) وتهويدها المستمر وباختصار شديد في ظل ما تعانيه القدس والمسجد الاقصى هي اليوم بامس الحاجة الى فعل يومي لمواجهة هذا الاجرام الإسرائيلي المستمر.
هذه الحاجة تذكرنا بما كان يصر عليه الامام الراحل على إبقاء التفاعل المستمر مع القضية الفلسطينية من قبل الشعوب الحرة اسلامية كانت او غير اسلامية للتخلص مما وصفه رضوان الله عليه الغدة السرطانية في المنطقة التي تشکل الخطر الکبیر ليس فقط على الشعب الفلسطيني والامتين العربية والاسلامية فحسب بل على العالم باسره ونرى اليوم بعض هذه الاخطار في العراق وسوريا ودول اسلامية اخرى.
هنا يجب التاكيد على ان القدس والحرم الشريف فيها على وجه التحديد- كما كان يؤكد عليه مفجر الثورة الاسلامية في ايران كانت ولازالت قاعدة الصراع الاسلامي الصهيوني وأساسه لاعتبارات دينية وسياسية وتاريخية في آن واحد، وهو ما جعل عمق الحق الفلسطيني فيها يمتد إلى العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي كاملاً.
ولذلك يمكن القول بان احياء يوم القدس العالمي له بعدان، بعد له علاقة بالواقع وبعد له علاقة بالمستقبل. فالبعد الواقعي هو وحدة الامة اتجاه هدف اساسي ورئيسي وسامٍ وهو باتجاه القدس الشريف وتحرير المسجد الاقصى من جرائم الکيان الإسرائيلي ويمكن ان يساعده في لملمة جراحه التي مني بها بسبب التشرذم والتقاتل والمذهبية.
فإحياء هذا اليوم والتفاعل مع ما یجري في فلسطين وفي المسجد الاقصى له التأثير الكبير على وحدة الامة وتماسکها وهي اليوم احوج لها اكثر من اي وقت مضى.
فعندما تدرك شعوب الامة العربیة والاسلامية حجم وخطورة الکيان الإسرائيلي على هذه المنطقة وتعرف ان هذا الکيان يمثل راس حربة للمشروع الغربي في المنطقة ستدرك بوضوح ما تقوم به مجاميع يتم تسويقها اعلاميا بانها اسلامية من حرب بالوکالة ضد هذه الامة.
وعندما تصل الامة الى هذا المستوى من الفهم فستكون اللحظة التي تتشكل فيها حالة من التفاعل والوعي لرفض المشاریع الغربية التي تريد ان تمس هويتنا وتاريخنا وثرواتنا وخيراتنا في المنطقة مستقبلا.