الوقت-"أُخاطِب الناتو: أين أنتم، تعالوا إلى سوريا، لماذا لا تَأتون؟ أليست تركيا إحدى دُول الحِلف، دعوتمونا إلى أفغانستان والصومال والبَلقان فلبّينا النِّداء، الآن أدعوكم إلى سورية فلماذا لا تُلبُّون النِّداء؟" بهذه الكلمات عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خيبة أمله ربما أكثر من رغبته بقدوم حلف الناتو -الذي لن يأتي- لمساعدته في حربه التي يشنها على الأكراد في الشمال وربما الشرق السوري مستقبلاً.
طلاق عاطفي
"الطلاق العاطفي" ربما هو العبارة التي تُفسّر الحال التي وصلت إليها العلاقة بين تركيا وحلف الناتو، ولم يبقَ إلا أن يُوثق هذا الطلاق رسمياً على الأورق الثبوتية، فتركيا ومنذ المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من تموز وما تبعها من البرود الأوروبي تجاه ذلك الحادث، وجّهت أصابع الاتهام لعدد من الضباط المرتبطين بحلف الناتو، الأمر الذي قرأ فيه محللون سياسيون أنّ الحلف ضمنيّاً كان موافقاً على الانقلاب وربما كان أحد مهندسيه، خصوصاً وأنّ وسائل إعلام تركيّة مقربة من الحزب الحاكم تحدّثت حول تورط الناتو في الانقلاب حيث إنّ الاتهامات الموجهة لمعظم الجنرالات المُشاركين في ليلة الخامس عشر من تموز/ يوليو 2015 والذين قادوا الانقلاب؛ أداروه من مقر قيادة قوات الناتو في أنقرة، حيث تم رصد عدد من المشاهد التي تثبت علاقتهم القوية مع الناتو.
هذا النداء وكما هو واضح كان موجهاً للداخل التركي أكثر منه للحلف الأقوى دولياً، وكان بمثابة تجهيز للشعب التركي للقبول بهذا الطلاق الذي قد يتحول إلى واقع ملموس بعد نداء أردوغان الأخير، خصوصاً مع النظرة السلبية التي بات يحملها الأتراك تجاه حلف الناتو، فمن المتوقع أن تتوقف تركيا عن لعب دور الحلف الموثوق به من قبل الناتو، وبالتالي فإنّ عملية الطلاق بين الحليفين ستكون أقرب من أيِّ وقتٍ مضى.
العبد الثائر
أردوغان ومن خلال ندائه الأخير لحلف الناتو كان يعلم جيّداً أنّ صوته لن يتعدى أسماع حضور مهرجانه الخطابي، فهو –أي أردوغان- يعلم علم اليقين أنّ الحلف لن يُشارك بأيِّ حربٍ لا تكون الولايات المتحدة طرفاً فيها، فكيف والولايات المتحدة خصم لدود لأنقرة، فأكراد سوريا تحولوا إلى الشعرة التي قسمت ظهر الناتو، لتجد تركيا نفسها وحيدةً في مواجهة الأكراد -وربما لاحقاً الأمريكيين في منبج- من غير أي سند من الحلف الأقوى في العالم.
تركيا التي أتقنت دور "العبد" كثيراً وسارت في الركب الأمريكي وشاركته أغلب حروبه ابتداءً من حروب البلقان ووصولاً إلى أفغانستان والصومال وغيرها الكثير من المهمات التي أوكلت لتركيا، باتت ترفض اليوم مواصلة لعب هذا الدور، والمُتابع للإعلام التركي يُدرك وبما لا يدعُ مجالاً للشك أنّ الصحف التركية باتت تُرَوِّج لخروج تركيا من الحلف بعد أن أثبت الأخير أنّه يستخدم تركيا كـ "كبش فداء" في حروبه حول العالم.
أكثر من ذلك.. وما يزيد العلاقة تأزماً بين الحلف وتركيا هو الرفض المستمر من قبل الأوروبيين، دخول تركيا إلى اتحادهم، خصوصاً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتلاشي حلف وارسو، حيث أصبح الاتحاد يرفض وبشدّة دخول الدولة المسلمة إلى الحلف المسيحي الأوروبي، وعلى هذا الأساس فإنّ ثورة الأتراك على أسيادهم أصبحت وشيكة، خصوصاً مع تقارب تركيا مع الحلف الروسي الإيراني وربما السوري مستقبلاً.
وعلى الجانب الآخر فإنّ نداء أردوغان ربما يكون جرس إنذار أخير للأمريكيين –الداعم الأكبر للأكراد- مفاده أنّ عليكم المفاضلة بين العلاقة مع تركيا الدولة العضو في حلف الناتو والتي سارت معكم بكل حروبكم التي لم تكن تعنيها لا من قريبٍ ولا بعيد، أو العلاقة مع الأكراد الذين لن يُقدّموا لكم ربع الخدمات التي قدمتها أنقرة، خصوصاً وأنهم –أي الأكراد- جلّ أملهم يتلخص في إقامة دولة لن يُكتب لها الحياة في ظل جو إقليمي ودولي رافض لها باستثناء أمريكا التي بنت عدّة قواعد لها في مناطق سيطرة الأكراد.
عودٌ على بدء.. يحاول الرئيس التركي أردوغان أن يًثبت ومن خلال ندائه هذا أنّه يُحارب الإرهاب الذي بات حجّة من لا حجة له، خصوصاً بعد أنّ وصل إلى الأسبوع الثامن من حربه في مدينة عفرين، والذي كان قد وعد بأنّها لن تستمر طويلاً؛ غير أنّ التعثر الميداني لقواته أجبره على إطلاق ذلك النداء، خصوصاً مع تأكيده أنّ سبب هذا العجز يعود إلى أنّه (يتجنب قصف المدنيين) كما جرى في الرقة ودير الزور على يد التحالف الدولي حسب قوله.
ويذهب أغلب المراقبون للعلاقة بين تركيا والناتو إلا أنّ الأخير الذي استفاد من تركيا غير مرّة لن يتخلى عنها على الرغم من كل الاتهامات والتحذيرات التي يُطلقها أردوغان أو السياسيون الأتراك، خصوصاً وأنّ أنقرة تُمثل القوة الثانية في الحلف بعد أمريكا ولن يتخلى الحلف عنها وهي القوّة التي تُقاتل بـ "المجان"، كما أنّها البوابة الجنوبية للقارة الأوروبية والتي من دونها ستصبح مكشوفة أمام أفواج اللاجئين، إذاً تُمثل تركيا -الدولة التي اُستبعدت عملياً من الاتحاد الأوروبي- بوابة القارة العجوز بوجه أي اعتداءٍ أو أزماتٍ دولية تنتهي بمحاولة آلاف اللاجئين العبور إلى دول الاتحاد.