الوقت- آل الحريري والسعودية، طرفان ارتبط اسمهما في الداخل اللبناني منذ أيام رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. ترنّحت العلاقات بينهما في مراحل عديدة، كان آخرها احتجاز سعد الحريري في الرياض، وما تبعها من مواقف وتشنّجات. لكن تبقى الخطوط العريضة واحدة والمصالح المشتركة الطاغي الأول على العلاقات الحريرية - السعودية.
مرّت علاقة السعودية بالحريري بتوترات عديدة، كان أولها عند ترشيحه لميشال عون رئيساً للجمهورية، وصولاً إلى شبه صدام عندما تحدّث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن حزب الله ووصفه بالمنظمة الإرهابية تزامناً مع صياغة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الذي أكد على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. ليتفاقم بعدها ويصل إلى حدّه الأقصى عند تلاوة استقالته من رئاسة الحكومة واحتجازه في الرياض أواخر العام الماضي.
الآن وفي أجواء الانتخابات النيابية اللبنانية، وبعد قطيعة دامت أربعة أشهر، تسلّم الحريري، يوم الاثنين، دعوة رسمية لزيارة المملكة السعودية من المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، خلال زيارة رسمية لموفد الملك سلمان بن عبد العزيز إلى لبنان تستغرق عدة أيام، التقى فيها الرئيس اللبناني ميشال عون وبعض رجالات الدولة.
لم تمضِ 24 ساعة على استلامه الدعوة حتى استقلّ الحريري طائرته وتوجه نحو الرياض، في خطوة غير مستغربة في الأجواء الراهنة، فلماذا عضّ الطرفان على جرحهم الذي نزف بشدة في الأشهر الأخيرة؟ ماذا تريد المملكة من رئيس الحكومة اللبنانية؟ وما سبب استعجال الحريري في تلبية الدعوة؟
الحريري باب لا بدّ أن يطرق
في الرابع عشر من شباط، خلال كلمته في مراسم ذكرى اغتيال والده، أعلن الحريري عدم تحالفه مع حزب الله في الانتخابات النيابية المقبلة، كما أكد على حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية، معتبراً أن المواجهة في الانتخابات المقبلة ستكون بين تيار المستقبل وحزب الله.
تلقّت السعودية الرسالة، فصحيح أن الحريري، وعلى غير عادته لم يأت على ذكرها في خطابه، لكنه لمّح أنه لا يزال سائراً على الدرب ذاته، والسعودية التي غاظها أداء الحريري السابق، واتهمت لبنان مراراً بالخضوع لإرادة حزب الله، يهمها كثيراً أن تسمع هذه المواقف من الحريري، فسارعت إليه طالبة منه التوجّه نحو الرياض.
بالتالي ستتضمن الزيارة نقاشاً حول كيفية عودة الدور السعودي في الساحة اللبنانية. فالرياض التي تنظر باهتمام إلى الانتخابات النيابية اللبنانية، في جعبتها مجموعة من الأسماء التي تحاول تسويقها على لوائح تيار المستقبل، الذي يرأسه الحريري.
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن السعودية لم تنتظر الحريري فقط، بل غازلت الرياض بيروت عدة مرات، تارة عبر تراجعها عن سياستها التصعيدية عبر رفع تجميد المساعدات المقدمة للجيش اللبناني التي فرضتها المملكة قبل ذلك، وطوراً عبر تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، سعياً منها لتجميل صورتها في الداخل اللبناني، لكن محاولتها استغلال الانتخابات القادمة لاستعادة بعض نفوذها المفقود جعلها تصطدم بأزمة الحريري الأخيرة، فمن دون الحريري لا يمكن التقدم أي خطوة، خصوصاً أن التأثير السعودي يتركّز داخل المجتمع السنّي الذي يمكن القول إن الحريري هو الرقم الأصعب فيه.
لملمة الصفوف
كما تسعى السعودية إلى لملمة شمل قوى 14 آذار التي بات أفرقاؤها مشتتين في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد موافقة المستقبل على عون رئيساً للجمهورية، والتقارب الحاصل بين المستقبل والتيار الوطني الحرّ، على أبواب الانتخابات تحديداً، ويبدو أن تحالفات التيار الأزرق (المستقبل) لا تنسجم مع حلفائه السابقين، كالقوات اللبنانية على سبيل المثال.
بدا ذلك واضحاً خصوصاً بعد زيارة الوفد السعودي لمعراب، ومغازلته لقائد القوات سمير جعجع، حيث اعتبر "العلولا" أن معراب بيته، وجعجع ضيفه، في إشارة واضحة للأهمية التي تعيرها السعودية للقوات واللبنانية وجعجع تحديداً، ومن المؤكد أن ملف التحالفات سيطرح على طاولة الحريري والقيادة السعودية، وما تحدث عنه جعجع خير دليل على ذلك، حيث تمنى التمسك مع "المستقبل" بالتفاهم على الحد الأدنى من مسلمات وثوابت "14 آذار".
بالتالي بات واضحاً أن إعادة التواصل بين "المستقبل" و"القوات اللبنانية" هو أحد أسباب استدعاء الحريري، وعلى الرغم من أن كثيرين يستبعدون احتمالية التقارب بين الطرفين، لكن لا يمكن استبعاد أي سيناريو، فصحيح أن السعودية بحاجة إلى الحريري اليوم، لكنها في الوقت نفسه تعلم جيداً أن الحريري بأمس الحاجة لها.
فالحريري الذي كانت المملكة سنده وملجأه، بات في الآونة الأخيرة، يشعر بالفراغ الحاصل بعد توتر العلاقات معها، خصوصاً في عالم السياسة اللبنانية، حيث يحتاج كل فريق إلى جهة داعمة له ترفع صوتها حفاظاً على مصالحه.
من الناحية المادية أيضاً، في احتفال الرابع عشر من شباط، قالها الحريري مزاحاً، لكنه كان يعي ما يقول، "لا نملك أموالاً للانتخابات"، وقبل يومين لم يكن يملك مصدراً لتحصيلها أيضاً، لكن زيارة العلولا قلبت الموازين، ولن يتردد الحريري بتحصيل ميزانية الانتخابات، بل سيعرض مطالبه على القيادة السعودية لحل أزماته المتراكمة منذ سنوات والتي وصلت إلى الأزمة المالية الحادة التي يمر بها.
ختاماً، من المؤكد أن المصالح مشتركة بين الحريري والسعودية، الانتخابات النيابية كانت جسر عبور عن الخلافات السابقة، ورغم ما دار من كلام حول توتر الأجواء بين محمد بن سلمان والحريري، إلا أن الطرفين يريدان أكل العنب لا قتل الناطور، بالتالي عضّ الحريري على الجرح وهرول نحو المملكة، والأخيرة لن تستغني عن خدمات الحريري، على الأقل في الفترة الحالية.