الوقت- في خطوة لم تعد مستغربة للأسف اجتمع 70 شخصاً من قادة المنظمات اليهودية الأمريكية في الإمارات العربية المتحدة آخر الأسبوع الماضي، وما يدعو للاستغراب عدم رغبة المسؤولين الإماراتيين الكشف عن هويتهم من قبل المسؤولين اليهود الأمريكيين بالرغم من أن التعاون مع اليهود الإسرائيليين والأمريكيين ليس سرّاً على أحد ولطالما كان بينهم تنسيق عالي المستوى واعتراف ضمني بـ"إسرائيل" فلماذا هذا التستر؟!.
أن تخذل الإمارات القضية الفلسطينية ويموت قادة هذه القضية على أراضيها بأيدي "إسرائيلية" أمر فهمناه جيداً كونه يأتي في خدمة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لكن أن تبدأ الإمارات بالتحريض ضد دول إقليمية يجعل الأمور تأخذ منحىً جديداً أكثر حدةً وأكثر عدوانية كونه يعمق مشكلات الشرق الأوسط من جهة ويكلّف الإمارات أثماناً باهظة حتى تتمكن من الوصول إلى مرحلة التطبيع مع الصهيوني الذي يدفعها إلى التورط بمشكلات إقليمية هي بغنى عنها.
ونقلاً عن صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، قال النائب التنفيذي لرئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى مالكوم هونلين، في مؤتمر صحفي عقده عقب زيارة 70 من قادة المنظمات اليهودية الأمريكية لأبو ظبي ودبي، إن القادة الإماراتيين ركزوا خلال المحادثات على السلوك السلبي لتركيا وإيران في المنطقة.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن هونلين قوله إن المباحثات تطرقت إلى مسألة تعميق العلاقات والاعتراف بـ"إسرائيل"، دون الحديث عن أي التزامات من الجانب الإماراتي. ووفقاً للصحيفة، تحدث المسؤولون الإماراتيون عن قطر ووصفوها بأنها "مصدر قلق كبير" لبلادهم ، كما اتهموا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بـ"النفاق وعدم الرغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات".
وليس مستغرباً أن يعتبر الوفد اليهودي بأن هذه الزيارة لها أبعاد استراتيجية كما وصفها مدير مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية ستيفن غرينبرغ، وأضاف غرينبرغ: "التقينا مع الجميع في أعلى المستويات" وأشار إلى أن محاوريه الإماراتيين طلبوا منه عدم ذكر أسمائهم، "ولكن يمكنني أن أؤكد أن اللقاء كان ذا أهمية كبيرة. تحدثنا عن إيران واليمن وقطر، وتحدثنا عن التطرف وأوضحوا لنا أنهم متلهفون جداً لرؤية الدعم للسعوديين".
وتابع "غرينبرغ" قائلاً إن "الإمارات ترغب في التعاون مع إسرائيل في القضايا الأمنية ومكافحة التطرف، كما ترغب في حل للقضية الفلسطينية حتى تتمكن البلاد من التعامل مع إسرائيل اقتصادياً، لأنها تحاول تحريك اقتصادها من النفط إلى الاقتصاد المستقل وإلى التكنولوجيا الفائقة".
لماذا إيران وتركيا؟!
أولاً: ليس بوسع بعض الدول العربية وخاصةً الخليجية منها تحتمل فكرة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف في وجهة المخططات الصهيوأمريكية، وتعمل على منع تقسيم المنطقة وتفتيتها إلى كانتونات فاشلة وخير مثال على ذلك العراق التي سعت واشنطن بكل ثقلها لتقسيمه وتمزيقه ومنعه من الحفاظ على وحدة أراضيه، بالرغم من أن الهدف من مجيئها إلى العراق لم يكن يحمل عناوين تخريبية وتقسيمية كما صرّح المسؤولون الأمريكيون حينها، لنشهد عقداً كاملاً وأكثر من الديمقراطية الأمريكية الدموية في العراق والتي مزّقت أوصال الحياة هناك لتأتي إيران وترمّم جرح الأشقاء العراقيين وتساهم بمنع تقسيم البلاد وتمنع سرطان "داعش" من الانتشار في المنطقة.
ثانياً: تهميش القضية الفلسطينية كان مطلباً سعودياً - إماراتياً ضمنياً وقد شاهدنا الشلل السعودي - الإماراتي والعجز عن الوقوف في وجه قرار ترامب الأخير حول القدس، حتى إنهم حاولوا إلى حد ما تعطيل المؤتمرات التي عقدت لنصرة القدس في تركيا وغيرها، وخلال هذه المرحلة برز نجم إيران الداعم القديم الجديد للقضية الفلسطينية ليترجم هذا الكلام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية ويرسل خطاباً إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي ثمّن فيه دور إيران في دعم القضية الفلسطينية، ولفت إلى دور المرشد في توجيه القيادات داخل إيران، قائلاً للسيد الخامنئي "لدي إيمان عميق بدوركم الكبير في توجيه القيادات المؤمنة داخل الجمهورية الإسلامية لمواجهة مشروع القضاء على القضية الفلسطينية"، وتابع هنيّة "من دون شك، إنّ إيران وبتوجيهاتكم عزّزت وستواصل تعزيز قوة المجاهدين والمقاومة في فلسطين".
ثالثاً: الجميع على علم بأن هناك مثلث جديد من التحالفات يتشكل في المنطقة ويضم كلاً من "روسيا، تركيا وايران"، هذه الدول مجتمعةً ساهمت إلى حد كبير وخاصة في المرحلة السابقة في توجيه ضربة إلى مشروع تقسيم المنطقة ومنعت الأمريكي من تقسيم سوريا عبر استغلال قوميات معينة خدمة لمشروعه، وفي مقابل ذلك برز دور الولايات المتحدة الأمريكية في إجهاض أي دور إيجابي لهذه الدول الثلاثة في حل مشكلات الشرق الأوسط وأبرزها "الأزمة السورية" وعملت واشنطن بكل ما تملك من سلطة وعزم وقوة على منع نجاح أي مؤتمر دولي تقوده هذه الدول الثلاثة، "سوتشي" نموذجا.
وما تفعله الولايات المتحدة اليوم في سوريا لا يلقى أي ترحيب من هذه الدول الثلاثة، حتى إن أردوغان قال خلال الأيام الماضية تعليقاً على إرسال أمريكا أسلحة لشمال سوريا، :"قد يكون لدى واشنطن حسابات ضد تركيا وإيران وربما روسيا في سوريا".
في الختام، ما يتم العمل عليه حالياً هو تهيئة الأجواء لتحقيق تقارب أكثر جدية بين بعض الدول العربية و"إسرائيل" والاتجاه نحو التطبيع بخطوات أكثر فعالية، وهذا الأمر يتحقق عبر تضخيم خطاب "إيران فوبيا" وأخيراً "تركيا فوبيا" أو "العثمانيون الجدد".