الوقت- المناخ السياسي في سوريا لا يوحي أبداً بأن الأمور تتجه نحو "الحل"، الحل الذي بحث عنه السوريون على مدى 7 سنوات ذاقوا فيها مرارة حربٍ حصدت أرواح الآلاف وهجّرت الملايين، واليوم وبعد كل المحاولات الأممية لإيجاد طرق حل للأزمة السورية بقي الحل متعثراً خاضعاً لمصلحة بعض الدول، خاصة تلك التي لا تملك أي استراتيجية تجاه الملف السوري.
ويمكننا أن نقول بصراحة بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أبرز الدول بل تكاد تكون الوحيدة بعدم امتلاكها أي استراتيجية في سوريا سوى دعم مجموعة هنا ومجموعة هناك وتقديم الأسلحة لجماعات "إرهابية" ودعم حركات انفصالية ومن ثم التخلي عنها، هذا الضياع الأمريكي أربك الجميع وجعل طرق الحل مسدودة في سوريا، إلى درجة ظهرت فيها واشنطن بأنها أكثر من يريد استمرار الأزمة السورية ومنع الوصول إلى أي أفق يخفف آلام الشعب السوري وينهي هذا الصراع.
وفي كل مرة يتقدم فيها الحوار الوطني السوري تعيده واشنطن إلى الوراء سنوات وسنوات، وآخر مثال على ذلك ما جرى في "مؤتمر سوتشي" الذي كان على وشك رسم خارطة طريق واضحة يسير عبرها السوريون نحو أفق مضيء يخلصهم من معاناتهم، إلا أن واشنطن وكالعادة وضعت العصي في الدواليب، ما شكّل تحدياً مباشراً للإرادة الروسية التي سعت وما زالت تسعى لجمع السوريين على طاولة حوار واحدة.
وخلال الأشهر القليلة الماضية قامت الولايات المتحدة بعدة حركات استفزازية جعلت الموقف الروسي حادّاً تجاهها، فعلى سبيل المثال أعربت الخارجية الروسية اليوم عن قلق موسكو من تهديدات الولايات المتحدة باستخدام أساليب القوة ضد الحكومة السورية، وأشارت إلى أن هذه التهديدات تتناقض مع القرار الأممي حول الهدنة في سوريا.
وأشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في حديث للصحفيين اليوم الاثنين، إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن حجة لاستخدام القوة في سوريا من جديد، في مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401.
واليوم وخلال مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره البرتغالي في موسكو، قال لافروف: "إن موسكو تتوقع المزيد من التصريحات الكاذبة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مؤكداً أن بلاده ستطلب من واشنطن تفسيراً للتصرفات التي تنتهك وحدة الأراضي السورية"، وتابع الوزير الروسي قائلاً: "هناك أيضاً عدد من الجماعات، سواء في الغوطة الشرقية أم في إدلب يقدمها شركاؤها ورعاتها الغربيون على أنها معتدلة، وبينها "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، تتعاون مع "جبهة النصرة" المدرجة على قائمة مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية". وأضاف: "وهذا يجعل شركاء "جبهة النصرة" غير مشمولين بنظام وقف إطلاق النار، وهي تعتبر أهدافاً شرعية لعمليات القوات المسلحة السورية وكل من يدعم الجيش السوري".
وقبل هذه التصريحات بنحو أسبوع تحدث الوزير الروسي عن محاولات لتقسيم سوريا، داعياً الولايات المتحدة لعدم اللعب بالنار على الساحة السورية، وشكّك لافروف بتصريحات القادة الأمريكيين حول نيتهم بمحاربة "داعش" فقط في سوريا وطالبهم " بتحديد خطواتهم ليس انطلاقاً من احتياجات الحالة السياسية العابرة، بل انطلاقاً من مصالح الشعب السوري وشعوب المنطقة، بمن فيهم الأكراد".
وما يقلق الروس والسوريين على حد سواء هو بقاء القوات الأمريكية في شرق الفرات وانتشار أكثر من 4000 جندي لها هناك، في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن القضاء على "داعش" وطرده من سوريا إلى غير رجعة، لذلك بقي موضوع بقاء القوات الأمريكية في سوريا محط تساؤل للجميع، خاصةً أن بقاءها يطيل من عمر الأزمة السورية.
ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن إعلان واشنطن عن تشكيل قوات تتألف من 30 ألف جندي قوامها الأكراد، أشعل غضب أردوغان وجعله يصب جام غضبه على أكراد عفرين، ولم تكتفِ واشطن بذلك فقد عرقلت حركة الطيران الروسي شرق نهر الفرات في تحرك تعتبره موسكو سعياً لعرقلة استهداف مسلحي داعش.
كل هذا وغيره دعا موسكو لمطالبة واشنطن بسحب قواتها من سوريا، خاصة بعد التقارير التي كشفت عن تورطها في دعم "داعش" والنصرة وسعيها الدائم لتقسيم سوريا، حتى تركيا شعرت بالخطر الأمريكي في الشمال السوري ليقول الرئيس التركي يوم الثلاثاء 6 فبراير/ شباط، إنه على أمريكا أن ترحل عن منبج في سوريا، لأن تركيا تريد إعادتها إلى أصحابها الحقيقيين.
وتعليقاً على إرسال أمريكا أسلحة لشمال سوريا، قال أردوغان:"قد يكون لدى واشنطن حسابات ضد تركيا وإيران وربما روسيا في سوريا".
في الختام؛ كل الأفعال التي تقوم بها واشنطن في سوريا توضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا البلد لا يريد أي حل في سوريا، و يتضح اليوم أن الولايات المتحدة تريد تعقيد الأمور وإجهاض أي تسوية سياسية في سوريا وعرقلة جميع الجهود الدولية في "سوتشي وأستانا" ومنعهما من النجاح، خاصة أن روسيا المنافس الفعلي لأمريكا تقود هذه المحادثات، والأمر الأهم أن من تدعمهم واشنطن أصبحوا أضعف من أي وقت مضى لذلك هذه الجرعات الوهمية تظن واشنطن أنها قد تنعشهم ولو قليلاً لكن الحقيقة على الأرض لا تقول ذلك.