الوقت- في كانون الأول من العام الماضي تحقق نصر العراقيين على المؤامرة الكونية، وأعلن العراق عن نصره بالقضاء على الإرهابيين "داعش" من كل الأراضي التي كان يحتلها التنظيم في المناطق الغربية، ثلاث سنوات من المعارك الشرسة والعنيفة خلفت دمارا ضخما وغدت الحياة فيها شبه منعدمة بعد أن تحولت مدنا بأكملها الى أطلال من الخراب.
ما ان انتهت حقبة الحرب، اتجهت الانظار نحو رحلة اعمارية للبلد مما خلفته تلك الحرب الخانقة الا أن العامل المادي كان يقف عائقا في عجلتها، وهنا بدت محطة الكويت تشكل ملاذا للمعنيين، المرتقب من هذه المحطة ان تبدي الدول العربية حسن نواياها للشارع العراقي بعد كبتهم نيران داعش.
ينعقد مؤتمر المانحين للعراق بضيافة الكويت وبمشاركة أكثر من 70 دولة ونحو 1850 شركة عالمية على مدى ثلاثة أيام بدءا من يوم 12 فبراير/شباط، وسبق المؤتمر اعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي احتياج العراق لنحو مئة مليار دولار من أجل اصلاح البنية التحتية المتداعية التي تعرضت للدمار، يأمل العراق ان يحصل على 100 مليار دولار لتغطية حجم الاضرار التي لحقت بالعراق.
لا يمكن تأطير مؤتمر الكويت بدائرة الاقتصاد فحسب، انما هو يرسم خارطة جديدة لدولٍ ويحجم من دور أخريات في مستقبل العراق، فبالاضافة الى ما ثمار صفقات العقود الاستثمارية سيكون للدول المشاركة لمسات في صناعة القرار العراقي. تتجه الانظار نحو الرياض وخطواتها لمعرفة ثقلها وشكل العلاقات ما بينها وبغداد خلال المرحلة المقبلة.
اربعة عوامل لها دور في اعادة بناء العراق وجذب المستثمرين الاجانب اليه و هي العامل الامني، والبيروقراطية الحاكمة، ومنح الفرص المناسبة للمستثمرين الاجانب وحجم تدخلات الدول الاقليمية والدولية في صنع القرار العراقي.
ومن المفارقات الجلية في مؤتمر الكويت، ومن التناقضات الصريحة التي شوهت نوايا الرعاية الغربية لملتقى مساعدة العراق، هو أن واشنطن وحسب سفارتها في بغداد تجد ان ملتقى الكويت يوفر فرصة للحكومة العراقية لتعرض استثمارات مشجعة للمستثمرين الأجانب، وأن تقنعهم بأن العراق مفتوح للمشاريع التجارية من جانب، لكنها من جانب آخر لن تساهم بدولار واحد في جهود إعادة الاعمار هذه، حسب وفدها المشارك في الكويت برئاسة وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تليرسون" وهي التي لعبت دورا بارزا في الحاق كل هذا الدمار في العراق سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الدمار الذي حل في العراق منذ الحصار الأمريكي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعززت دورها في تدمير البلاد باحتلاله عام 2003 من قبل التحالف الذي قادته آنذاك، وجلي ما خلفته تلك الهجمات من خراب للبنى التحتية الرئيسية من جسور ومحطات وماء وكهرباء ومستشفيات ومدارس.
وبلغت ذورة الدمار العراقي مطلع حزيران من عام 2014 على مرآى أجهزة الاستخبارات العالمية والقواعد العسكرية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وفي حرب السنوات الثلاث على الإرهاب، لعبت الطائرات الامريكية دورا كبيرا في تدمير معظم المدن العراقية لاسيما الموصل والرمادي والفلوجة سواء أثناء سنوات الاحتلال أو بحجة محاربة الإرهاب.
يبدو أن واشنطن فضلت ان لا تمشي في جنازة الضحية الذي ساهمت بقتله وعجزه وما يمر به وأبناء شعبه اليوم من مآس ومرارة في العيش، فضلت أن لا تشابه دور حلفائها الساعين الى إعادة اعمار العراق بعد أن تكاتفوا على ذبحه تارة، وتارة دارو ظهورهم له، يوم كان يطلب يد العون من القريب والبعيد.
امتناع الولايات المتحدة عن تقديم أي اسهام مالي لدعم العراق وهي الدولة التي قادت عملية تدمير العراق ونهبت خيراته وثرواته وقتلت أبنائه ومزقت أوصاله وأغرقته في دوامة من الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية والاثنية تنأى عن دعمه اليوم.
ويرى مراقبون أن الدول الساعية الى تقديم منح والمشاركة في استثمارات كبيرة، لديها هواجس من طريقة صرف هذه الأموال في ظل الفساد الإداري والمالي، وهو ما سيفرض وضع شروط من المانحين قبل صرف الأموال تتعلق بضمان تحقيق مصالحة وإعطاء أولوية لمشاريع والاعمار في المدن المتضررة من الحرب على "داعش"، ومصادر أخرى تتحدث عن شروط سياسية تفرضها بعض الأطراف المانحة، على العراق، في محاولة للعب على وتر طائفي تهدف تجييش المشهد العراقي الذي يقترب من موعد انتخاباته البرلمانية.
واذا ما يتفائل البعض بإعادة اعمار البلد كله، وإعادة الحياة اليه بعد أن أزيحت بالحروب المفتعلة، فأن آخرين لا يعتقدون بخطوة غربية خالية من التآمر مقارنة بالسنوات والعقود الماضية، خاصة في ظل ضبابية مشهد مؤتمر الكويت، يعتقد معظم المراقبين، أن جل الوجوه الحاضرة هي ذاتها التي لعبت بمقدرات البلد وامنه واستقراره خدمة لمصالحها، تطل اليوم بطلاء وماكياج جديد، متخذة قناعا جديدا للبدء بفصل جديد ومشوار آخر بما يسمى مؤتمر الاستثمار، والغاية هي دخول العراق من جديد بشكل قانوني في مسيرة تدميرية أخرى.
وما بين الرؤيتين يقف المواطن العراقي حائرا، بين حلم بغد أفضل وحذر من مخطط بزي آخر، وهو الذي دفع الثمن الباهظ في كل ما حل بالبلد، وقدم نفسه درعا للحماية المنطقة برمتها من كارثة إنسانية كادت أن تستبيح الأمم شرقا وغربا.