الوقت - كتب جون بيساني فيري، مقالا نشره موقع "بلوغ" الانترنيتي قال فيه: إن التغيير الأساسي الذي حدث في عهد حكومة ترامب، لم يكن تصرف حكومته بشكل أكثر أنانية من الحكومات الأمريكية السابقة، بل يبدو أن هذه الحكومة لم تقتنع بأن النظام العالمي يدعم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. والسؤال الرئيسي بالنسبة لسائر العالم هو هل ان النظام العالمي قوي بما فيه الكفاية ولا ينهار بانسحاب أحد مؤسسي هذا النظام.
لقد أثبت المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام في دافوس أنه كان فرصة أخرى لحكومة ترامب لعرض خطاب غير لائق وتوجيه صدمة للاقتصاد العالمي.
وجاءت الصدمة الاولى من وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين الذي قال ان ضُعف الدولار يصب في مصلحة الولايات المتحدة. وجاءت الصدمة الثانية من وزير التجارة ويلبور روس، الذي يبدو انه كان سعيدا من اندلاع حرب تجارية والانتصار في هذه الحرب.
وفي احدى المرات، نفى ترامب نفسه، بدم بارد، أن تتبع الولايات المتحدة استراتيجية "جعل الجيران فقراء". بيد ان تصريحات وزراء حكومة ترامب التي اثارت ردود أفعال الشركاء الدوليين تؤكد ان حكومة ترامب تتبع استراتيجية جعل الجيران فقراء.
إذا كانت السنة الأولى لرئاسة ترامب، فعلاً دلالة على ما هو آتٍ، فلم يعد هناك أي سبب لتوقع قيادة اقتصادية أمريكية مستدامة. فبعد عام من مراسيم تنصيبه، ذكر دافوس بأنه بعيد عن التطبيع والمعايير.
وإذا نظرنا الى الموضوع بعدالة، فإن حكومة ترامب ليست أول حكومة ترفع شعار "أمريكا اولا". ومن خلال النظام السياسي الداخلي الأمريكي والإصرار القوي من قبل التيارات الانعزالية الكامنة، كانت أمريكا دائما أكثر ترددا، قياسا بالدول الأوروبية، في التقيد او الدخول بالالتزامات الدولية.
رفضْ ميثاق هافانا (الاجراء المبدئي لتأسيس منظمة التجارة العالمية) في عام 1948، عداوة الكونغرس مع مؤسسات بريتون وودز أو رفض الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، للتصويت على بروتوكول طوكيو بشأن تغير المناخ، ليست سوى أمثلة قليلة على ذلك.
لذلك، فإن تبني تدابير قاسية للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، لم يبدأ مع ترامب. وكان قرار الرئيس ريتشارد نيكسون من جانب واحد في عام 1971 لوضع حد للغطاء الذهبي(1)، ضربة كبيرة للنظام النقدي الدولي. وأدى التحليل النقدي للبنك المركزي الامريكي في أواخر السبعينات إلى تسريع أزمة ديون أمريكا اللاتينية.
وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، اتخذ البنك المركزي للولايات المتحدة عددا محدودا من التدابير، على الرغم من الاحتجاجات التي أعطت الامكانية للولايات المتحدة بتخفيض الصادرات. ولكن هذه المرة كان هنالك فرق.
منذ زعامة أمريكا القيادة العالمية الموروثة من المملكة المتحدة البريطانية (من خلال توقيع رمزي على ميثاق الأطلسي في صيف عام 1941) حتى عهد انتخاب ترامب (بعد 75 عاما)، قليل من الناس شك في أن أمريكا هي صاحبة النظام الاقتصادي الدولي الوحيدة.
كان يمكن لأمريكا، حسب التوقيت والظروف السياسية، أن تلغي القوانين أو تنفذها، أو ان تكون أكثر سخاء أو أنانية، أو تسعى إلى تحقيق مصالح قصيرة الأجل أو أهداف واسعة وطويلة الأجل. ولكن مهما فعلت الولايات المتحدة، فإنها لا تزال بمثابة المُساهم المهيمن في النظام العالمي، وكانت بقية الدول تدرك تماما ذلك.
وكانت هناك أسباب جيوسياسية قوية لذلك. وحتى نهاية الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تعتبر وجود نظام من القوانين والمنظمات التي تضم البنية التحتية للتجارة والاستثمار والتمويل الدولي، هو للحفاظ على "العالم الحر" والحد من النفوذ السوفياتي. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان هذا النظام أيضا بمثابة أداة استراتيجية لدمج الجمهوريات السابقة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
وفي النهاية في أواخر العقد الماضي "سنة 2000 للميلاد"، اعتُبر النظام الاقتصادي العالمي أفضل منصة لقبول الصين. وقد دعيت الصين للانضمام الى هذا المنتدى مع وعد ضمني بانها ستتمكن من المشاركة في الاصلاح بعد ان تتقن قواعد اللعبة وستتاح لها الفرصة لقيادة النظام العالمي والحصول تدريجيا على السلطة والنفوذ. ان انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001 يعد نقطة عطف مهمة.
إن التغيير الجوهري الذي أحدثه انتخاب ترامب كرئيس لجمهورية الولايات المتحدة، لم يكن لان سلوكه كان أكثر أنانية من سابقيه. لكن التغيير المنشود هو ان ترامب لم يقتنع أن دعم النظام العالمي، يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية. ويبدو انه لم يقتنع بان انضمام الصين الى هذا النظام واعتلائها القمة هي أفضل طريقة للتوفيق بين القوة الاقتصادية الناشئة لهذه الدولة.
ويبدو أن آثار ترامب على الاقتصاد الدولي نافعة للغاية. فقد انخفضت المخاوف بشأن الحرب المالية. ولم يدخل الاقتصاد العالمي دورة حمائية. وحتى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ لم يؤد إلى انهيار هذا الاتفاق.
بل على العكس من ذلك، تعهد جميع زعماء الدول الأخرى، بمن فيهم الرئيس الصيني، بالتزامهم باتفاق باريس، وأكد 174 بلداً ذلك رسميا. ان المخاوف الأمنية ترتبط بشكل مجهول، بالدفاعات الصاروخية لكوريا الشمالية بشكل أكثر جدية.
لكن الرأي القائل بأن الاقتصاد أصبح أخيرا في وضع متين، خادع ولا جدوى منه. والواقع أن النظام الاقتصادي هو تنظيم غير كامل، ويتطلب أدائه توجيهات مستمرة ومبادرات اختيارية.
فعلى سبيل المثال، لم تكن هذه القوانين العالمية هي التي أبدت ردود فعل تجاه أزمة عام 2008، بل كانت مجموعة من المبادرات المؤقتة التي شاركت فيها جميع البلدان في حل الأزمة المالية العالمية، وليس بلدا محددا.
لقد جرّبت الجهات الفاعلة كأوروبا والصين والهند واليابان قيادة العالم. لذلك، ينبغي ألا ينشغل بال العالم بوهم عدم وجود قيادة اقتصادية. يجب ألّا يُترك القارب من بعد ترك القبطان، بل يجب الاستمرار لتوجيه القارب بمساعدة من بلدان أخرى بحيث يمكن تجاوز العاصفة القادمة بنجاح في حال حدوثها.
(1) إن الغطاء الذهبي هو التزام تلتزم البلدان بموجبه بإبقاء عملاتها المحلية ثابتة مقابل مبلغ معين من الذهب. وقد طبقت بريطانيا رسميا غطاء الذهب في عام 1819. منذ عام 1900، نفذت الولايات المتحدة هذا النظام. وخلال الفترة من 1880 إلى 1914، انضم عدد كبير من البلدان إلى نظام الذهب.