الوقت- زيارة الأمير السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأمريكية منتصف عام 2016 وخصوصاً إلى "وادي السيليكون" نتج عنه توقيع اتفاقية لتوطين هذا الوادي في السعودية، حيث نصّت هذه الاتفاقية بحسب تقارير إعلامية على إنشاء مركز تكنولوجي رئيسي في المملكة، على غرار مشروع وادي السيليكون الأمريكي في سان فرانسيسكو، كما تمّ توقيع الاتفاقيّة بين كلٍّ من شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) وبين شركة "ألفابت Alphabet" الأمريكية وهي الشركة الأم لمحرك البحث جوجل.
وادي السيليكون
"وادي السيليكون" الأمريكي والواقع في الجزء الجنوبي من خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا الشمالية؛ يُعدُّ موطناً لكبريات شركات التكنولوجيا في العالم، بما في ذلك "أبل، سيسكو، جوجل، إتش بي، إنتل وأوراكل"، ويرافق اسم الوادي اليوم صناعة التكنولوجيا المتقدمة في أمريكا. وعلى الرغم من وجود مراكز تكنولوجية متقدمة أخرى في أمريكا وحول العالم؛ إلّا أنّ وادي السليكون يُشكل ثلث الاستثمار الأمريكي، وما يزال يمتلك هذا الوادي الريادة في مجال صناعة الابتكارات التكنولوجية المتقدمة.
بن سلمان وبرفقة الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت "لاري بيدج" وقعا الخطوط العريضة لصفقة وادي السيليكون السعودي، وبناءً على هذا الاتفاق ستقوم شركتي أرامكو وبمساعدة شركة ألفابت ببناء مركز البيانات، غير أنّ باقي تفاصيل العقد كطريقة التنفيذ والإدارة، وكمية الاستثمارات وطريقة التمويل ما تزال غير واضحة المعالم حتى الآن، غير أنّ التخمينات حول قيمة هذا العقد قد ارتفعت بشكلٍ كبير.
أهداف السعودية
خطة بناء المركز التكنولوجي هذا في السعودية وكما يقول مراقبون هو برنامج آخر من برامج ابن سلمان، حيث يأتي هذا البرنامج من ضمن رؤية المملكة لعام 2030، والتي تهدف أساساً إلى تقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، وتظهر مشاريع مثل مدينة "نيوم" ووادي السيليكون المحتمل كإحدى الاستراتيجيات السعودية الرئيسية لتحقيق أهداف الرؤية السعودية لعام 2030، حيث يمكن رؤية الاهتمام الخاص بالتكنولوجيا، كما يمكن رؤية أحلام ولي العهد السعودي الخاصة بتغيير صورة البلاد من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث وغربي ولو جزئياً، ويمكن النظر إلى اتفاقية وادي السيليكون من هذه الزاوية.
وفي هذا السياق كان ابن سلمان قد أعلن أنّ بناء مدينة "نيوم" الجديدة والمتقدمة وبميزانية تتجاوز الـ 500 مليار دولار، ويقول بعض المحللين إن محاولة السعودية العبور من الاقتصاد المبني على النفط يمكن أن يكون له أثر إيجابي على ارتفاع قيمة شركة أرامكو السعودية، وتكشف زيادة أسهم أرامكو أبعاداً أخرى لنوايا الشركة من الدخول بهذا الاتفاق، وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن المشروع سيكون كبيراً بحيث سيتم إدراج أسهمه في سوق الأسهم السعودية.
أكثر من ذلك؛ يرى متابعون أنّ المشروع يهدف إلى جذب استثمارات غير نفطية إلى السعودية، ووفقاً لبعض خبراء الاتصالات؛ تسعى الخطة إلى جعل المملكة مركز الإنترنت الرئيسي في غرب آسيا، حيث سيُدرُّ المشروع دخلاً كبيراً جرّاء توفير خدمات الإنترنت إلى بلدان أخرى في المنطقة، حيث أنّ البلدان الإقليمية ومع انطلاق المشروع لن تعود بحاجة للاتصال بالكبل الأوروبي للاتصال بالإنترنت، وبناء على هذا تسعى المملكة لتحقيق هذا الأمر كأحد الأهداف الرئيسية لرؤية 2030.
ومن ناحية أخرى؛ فإنّ محمد بن سلمان وخلال العامين الماضيين سعى إلى توفير الظروف المحلية والدولية للوصول إلى السلطة وحكم المملكة، مُنجزاً في سبيل ذلك عدد من الإصلاحات وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
ويؤكد مراقبون أنّ مشاريع كمركز التكنولوجيا والمشروع الاقتصادي الضخم كمدينة "نيوم" بالإضافة محاولة بن سلمان تغيير صورته في وسائل الإعلام الغربية بالإضافة إلى الدوائر الدبلوماسية والسياسية؛ بهدف إلى إرضاء المواطنين السعوديين، خاصة وأنّ المنافس الأيديولوجي الرئيسي للمملكة هو التيار الإخواني، الذي تمكن من اكتساب نفوذ كبير بين الشباب السعودي في الماضي، وذلك من خلال استخدام تفاسير أكثر اعتدالاً بما يتناغم مع الحياة الحديثة مقارنةً بالقراءة والتفسير الوهابي الجاف والمتعصب.
أهداف ألفابت من التواجد في السعودية
والهدف الرئيسي والأكبر لشركة في ألفابت هو دخول سوق الشرق الأوسط للتكنولوجيا والمعلومات، حيث خسرت ألفابت خلال المنافسة مع شركات أخرى كأمازون ومايكروسوفت في مناطق كالشرق الأوسط، ويؤكد مراقبون أنّ شركة أمازون سعت مؤخراً لتطوير برنامج لإنشاء متجر ضخم على الإنترنت يكون مركزه في البحرين، أما مايكروسوفت فتعمل على إنشاء قاعدتي بيانات ضخمتين في جنوب أفريقيا.
ويؤكد مراقبون أنّ مشاريع شركتي أمازون ومايكروسوفت أدّت إلى تفوّق الشركتين على ألفابت، ولذلك، فإن ألفابت وجدت في المشروع فرصة لجذب انتباه واحدة من أغنى الدول في المنطقة للاستثمار في التكنولوجيا وبهذا المشروع يُمكنها أن تتجاوز شركتي أمازون ومايكروسوفت.
في النهاية، يمكن القول أنّ ما يهم الشركات الغربية الكبرى من السعودية وباقي دول المشيخات هو الربح الاقتصادي الذي يمكنهم الاستثمار فيه والبقاء فيه.
ويؤكد مراقبون أنّ المملكة واجهت مشاكل اقتصادية كبيرة وعجز في الميزانية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة للمغامرات الإقليمية السعودية بالإضافة لانخفاض أسعار النفط عالمياً، حيث اضطرت المملكة وخلال الشهور الماضية إلى رفع أسعار المحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة على الخدمات، بالإضافة لتنفيذ سياسة لمكافحة الفساد الاقتصادي من خلال القبض على عدد من الأمراء والمطالبة بفدية لإطلاق سراحهم.
وبناءً على ما سبق؛ ونظراً لحالة الاقتصاد السعودي السيئة؛ فإن أحلام بن سلمان وعلى الرغم من تبريراته الاقتصادية لكافة المشاكل التي تُعاني منها المملكة غير أنّه من الممكن أن تؤدي هذه الأحلام وبشكل خطير إلى أزمة اقتصادية خانقة، مع زيادة مفرطة بالضغط على الشعب السعودي.