الوقت- بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وتغير الأجواء الإقليمية والدولية والمحلية آنذاك لصالح امريكا وحلفائها، تشجعت الهند على القيام بخطوات رسمية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل الحليف الابرز لامريكا. حيث بدأت العلاقات بين الطرفين تتحسن بشكل جلي منذ العام 1992، الى ان اصبحت هذه العلاقات استراتيجية بين الطرفين في ايامنا هذه.
وفي هذا الاطار توجه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتياهو، الاحد الماضي إلى الهند في زيارة تستغرق ستة أيام على رأس وفد كبير ضم 130 عضوا من اصحاب الشركات الكبيرة في مجالات الصناعات العسكرية والزراعية وفي مجال التجارة الى الهند لعقد صفقات وصفت " بالتارخية" بحسب نتنياهو. ومن هنا ينطلق السؤال الرئيس، وهو: ماذا تريد إسرائيل من الهند في هذا الوقت بالتحديد؟
استقبال مهيب لنتنياهو
طريقة استقبال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لنتنياهو وحضوره شخصيا في المراسم، وتنظيمه مسيرة استقبال امتدت عدة كيلومترات من مطار كوجرات في غربي الهند إلى أحد المعابد المحلية المشهورة، اضافة الى تنظيم بلدية نيودلهي حفلاً كبيراً بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي لتغيير اسم الميدان الخاص بالجنود الهنود الذين قُتلوا في معركة حيفا عام 1918، من ميدان "تين ماروتي" إلى "تين ماروتي حيفا تشوك"، اسم ميدان حيفا، يعكس أهمية الموضوع لكلا الطرفين وبالاخص الاسرائيلي. وعلى هذا الأساس، وصف رئيس نتنياهو قبل وصوله الى دلهي بان الرحلة ستكون تاريخية قائلاً ان "علاقات تل ابيب ودلهي ستتحسن في جميع المجالات بما فيها الامن والاقتصاد والتجارة والسياحة".
العلاقات الاسرائيلية الهندية
وقبل الغوص في تفاصيل الاهداف، يمكن تقسيم علاقات الهند مع الكيان الصهيوني إلى أربع فترات:
1- الفترة الأولى كانت منذ عام 1917 إلى 1950، كانت العلاقات الهندية الاسرائيلية آنذاك مضطربة بشكل كبير بسبب وجود قادة عظام مثل غاندي يعتبرون التقرب من اسرائيل "خيانة للبشرية".
2- الفترة الثانية كانت منذ عام 1950 إلى 1992، وفي هذه الفترة اعترفت الهند بوجود اسرائيل الا ان العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين لم تتطور.
3- الفترة الثالثة هي من عام 1992 الى 2014، وفي خلال هذه الفترة تطورت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين الى تبادل السفراء وعقد بعض الاتفاقيات الثنائية.
4- الفترة الرابعة، وهي ما بعد 2014 حيث شهدت العلاقات بين إسرائيل والهند نشاطاً ملحوظاً، ووقع البلدان سلسلة من الاتفاقيات في مجالي الدفاع والتكنولوجيا والتجارة بحيث وصل التبادل التجاري بين الطرفين إلى 3,4 مليار دولار.
الاهداف
واجابة على السؤال المطروح في المقدمة، يمكن اختصار اهداف زيارة نتنياهو بالتالي:
1- تفعيل التبادل التجاري والعسكري بين الطرفين: تعتبر الهند من أبرز وأكبر أسواق الأسلحة في العالم، بحيث تنفق كل عام عشرات المليارات من الدولارات الامريكية على شراء أسلحة عسكرية، ويامل نتنياهو من خلال زيارته للهند الى تعزيز العلاقات التجارية بين تل ابيب ودلهي في المجلات العسكرية، اضافة الى سعيه لتقليل الفجوة التي حصلت بين الطرفين اثر الغاء الهند لاتفاقية شراء سلاح من اسرائيل بقيمة 500 مليون دولار امريكي لشراء صواريخ مضادة للدبابات من نوع "سبايك" من إنتاج "رافائيل". وبحسب مطلعين، ان الهند تمر خلال السنوات الأخيرة، بتغيير قد يُلحق الضرر بشكل كبير على الأسواق الصناعات العسكرية الإسرائيلية، فهي ترغب في نقل خطوط إنتاج منظومات الأسلحة إليها وذلك بهدف توفير المال، اضافة الى توفيرها فرص عمل للسوق المحلي.
2-الوصول الى ايران وباكستان: تحتل الهند موقعاً استراتيجياً هاماً في وسط القارة الآسيوية، وعلى هذا الاساس سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها، سعياً إلى تطوير هذه العلاقات وتوسيع مجالاتها. وبسبب ما يتميز به موقع الهند الجيوسياسي بحدودها مع كل من باكستان والجمهورية الاسلامية في ايران فإن إسرائيل بحثت عن موطئ قدم لها في الهند، يكون قريباً من هاتين الدولتين من جهة، والإشراف على الخليج الفارسي عبر حدود الهند الغربية من جهة أخرى.
3-القضية الفلسطينية: صحيح ان الهند صوّتت قبل أسابيع قليلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، الا ان نتنياهو يسعى من خلال هذه الزيارة الى الحصول على دعم الهند للمواقف الإسرائيلية في مجالات اخرى وذلك من خلال الحد من تأثير العلاقات العربية ـ الهندية، وهي شبية بالسياسة التي انتهجتها إسرائيل لتطوير علاقاتها بالصين، الأمر الذي ساعدها في تحييد (الفيتو) الصيني، لتكون بذلك ضمنت دعم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للتغطية على ممارساتها الدموية والتدميرية ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته.
وهذا ما حصل عندما قام مودي بزيارة الاراضي المحتلة في فلسطين منذ شهرين، حيث لم يجري اي اتصال هاتفي باي من مسؤولي السلطة الفلسطينية الامر الذي يمثل انعكاسا واضحا لتطور العلاقات بين الهند واسرائيل وتاثيرها على القضية الفلسطينية.
ختاماً، يمكن القول ان تطور العلاقات الهندية - الاسرائيلية يدفعنا الى التساؤل حول امكانية تاثيرها على قضايا الشرق الاوسط وخصوصاً القضية الفلسطينية في المستقبل، ويدفعنا الى التسؤل ايضاً عن الدور العربي والاسلامي الغائب، وتاثيره على علاقة الهند باسرائيل، وفي حال استمرار غياب هذا التاثير قد تتحول العلاقة الهندية ـ الإسرائيلية من مستوى الشراكة الاستراتيجية إلى تحالف استراتيجي سياثر بشكل كبير وقطعي على على الامن القومي لدّول العربية والاسلامية.