الوقت- أن تكون مواطن تخدم في جيش بلدك لحماية أهلك فهذا أمر مشرف في كل العالم، ولكن أن تخدم في جيش يعتبرك مواطن من درجة ثانية يمارس ضدك علناً التمييز العنصري، ويجبرك على قتال أهلك الذين يعتبرونك "خائناً "فهو التناقض بعينه، ولكنها للأسف هذه القصة تلخص حال المجندين العرب في جيش الاحتلال الاسرائيلي.
كيان الاحتلال وفي اطار سعيه لطمس الهوية العربية لفلسطين المحتلة يحول كسب مزيد من الجنود العرب في جيش الاحتلال مستغلة الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العرب في الاراضي المحتلة داخل الخط الاخضر (اي عرب 48)، كما يلعب احيانا على الوتر الطائفي في مسعى لتفريق العرب الى اثنيات واقليات طائفية رفضا للاعتراف بهم كهوية عربية جامعة ضمن كيانه، وعليه فان الاحتلال سعى منذ استئيلائه على الأرض والإنسان في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، الى تجنيد الدروز والمسيحيين العرب في صفوفه وهو ما لاقى موجة اعتراضات كبيرة من قبل أهالي الطائفتين ذاتهما باعتبار ان البعد العرب والهوية العربية الجامعة هي المرجع لأبناء فلسطين الاصليين داخل الخط الاخضر.
"مغريات" لمحو هوية العرب الثقافية والوطنية والتاريخية
ولطالما اعتبرت سياسة "التجنيد في اسرائيل" وعلى مر السنوات الماضية أحد أهم وسائل الاحتلال لصهر العرب الذين لم يتركوا وطنهم واختاروا البقاء في الأراضي المحتلة، ولم يوفر الاحتلال اي وسيلة تساعده على محو هوية هؤلاء الثقافية والوطنية والتاريخية في المجتمع اليهودي الغير متجانس اصلا، وشكلت السياسية الاسرائيلية الممنهجة لتجنيد العرب الدروز والمسيحيين أبرز هذه الوسائل، والتي تستغل الوضع الاقتصادي المتردي لدفع الشبان العرب لدخول جيش الاحتلال الذي يغريهم عادة بالعامل المادي و يخصص لهم قطعة ارض لبناء بيت بالاضافة الى منح بعض الميزات عن بقية العرب الاخرين ضمن اراضي 48 فالخدمة تطوعية لمدة سنيتن ونصف السنة، وفي نصفة السنة الاخيرة يصبح الأجر حوالي 1100 – 1200 دولار شهرياً. وبعد انتهاء الخدمة توجد إمكانية لأخذ المتطوع إلى الخدمة الدائمة في الجيش النظامي أو في الشرطة أو حرس الحدود براتب تدريجي يبدأ من 1200 دولار. ولكن هذه الامكانية محدودة جداً. فالجيش الإسرائيلي غير معني بفتح أبوابه أمام آلاف الجنود العرب. ويحرص على أكثرية ساحقة دائمة لليهود تصل إلى أكثر من 96 في المئة، اضف لذلك فان الاحتلال يسمح لهؤلاء بالحصول على اذونات للتنقل ضمن الاراضي المحلتة بشكل اسرع من اقرانهم.
تناقضات وصراع هوية
ورغم هذه المغريات التي يقدمها جيش الاحتلال للشبان العرب للانخراط في صفوفه، ورغم محاولة المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي اظهار ان العرب المنجدين في الجيش الاسرائيلي مرتاحين ومرفهين (ذهب في أحد مقاطع الفيديو لتهنئتهم وتناول الافطار معهم ) لكن الصورة الحقيقية للجيش الاحتلال ليست بهذه "البيضاوية"، والجندي العربي في جيش الاحتلال يبقى " مواطن" من الدرجة الثانية ، و الممارسات العنصرية التي يعاني منها خير شاهد، ولم تفلح تلك المغريات في التغطي عليها، فهذا الجندي العربي الذي يعرض حياته للخطر من أجل "دولة الاحتلال" يعاني من تناقض كبير، عندما يعود الى قريته أو بلدته ويرى حجم الاهمال والفقر فيها، فحكومات الاحتلال المتعاقبة حولتها الى مجرد أماكن بائسة بلا صناعة ولا زراعة بعد أن صادرت اراضيها، بل إن البلدات التي خرج منها جنود عرب عانت من سياسة التمييز العنصري أكثر من نظيرتها التي قاومت التجنيد وقاومت السياسة الحكومية، ومع تنامي الوعي الوطني في البلدات العربية أصبح الجندي العربي منبوذاً في قريته وبين أهله، فيقاطعه معظم أصدقائه، وحتى إذا توفي، قلما يجد من يسير في جنازته.
ممارسات عنصرية من "رفاق السلاح"
التناقضات التي يعيشها الجندي العربي في جيش الاحتلال لا تقتصر على ما سبق ذكره بل أن أصعب ما يعاني منه هذا الجندي التمييز العنصر من رفاق سلاح أي من جنود الاحتلال اليهود، وهو ما اعترفت به أكثر من وسيلة اعلامية اسرائيلية، وكان اخرها تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" تحدثت فيه عن قيام 5 من جنود الاحتلال بضرب جندي عربي كان يخدم في "كتيبة استطلاع الصحراء" مشيرة أن الأسباب كانت عنصرية بحتة، على إثر الحادث قامت شعبة التحقيقات الجنائية العسكرية باعتقال ثلاثة جنود للاشتباه في تورطهم في الهجوم على هذا الجندي العربي المسلم، وذلك وفقاً للتسجيلات التي حصلت عليها الصحيفة "الإسرائيلية"، والتي يمكن خلالها سماع أحد قادة الجندي وهو يقوم بلعنه وتهديده قبل أن يقوم بعض الجنود بالاعتداء عليه، وقد أصيب الجندي بجروح في عينيه، كما كان وجهه ينزف، ويُعاني من ألم شديد في ظهره.
الحادثة هذه لم تكن الاخيرة خلال الاسبوع الاخير، اذ ذكرته صحيفة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية" أن جندي عربي درزي تعرض للاعتداء من جنديين يهوديين والسبب ايضا عنصري بحت، ولم يُفتَح تحقيق في الحادث إلا بعد أن قام أحد أفراد الأسرة بنشر صور الجندي على وسائل التواصل الاجتماعي دامياً وفاقدَ الوعي بعد الضرب الوحشي، اذ سعى جيش الاحتلال للملمة القصة وعدم تحويلها للقضاء المتهم هو الاخر بالتمييز ضد العرب خشية الخروج الجماعي للعرب، المسلمين والمسيحيين، من الجيش.
وقبل شهرين نشرت قناة "كان" الإسرائيلية في فيديو لجندي عرب في جيش الاحتلال يدعة أدهم مرعي، يخدم في وحدة "كفير" وهو يتعرض للضرب من قبل أكثر من جندي وضابط ممن يخدمون معه في الوحدة العسكرية، وفي اللقاء معه قال الجندي الدرزي في جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه تعرض للكثير من الممارسات المُهينة من قبل جنود وضباط في الوحدة ليس لسبب إلا لكونه جندياً درزياً وليس يهودياً، وفي إحدى المرات قال الجندي الدرزي، الضابط المسؤول قام بسكب المياه عليّ قائلاً: "اشرب الماء أيها الدرزي المعف".
ولعل اشهر حادثة عنصرية ضد الجنود الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت قصة الجندي مدحت يوسف الذي أصيب قي قبر يوسف في مدينة نابلس وترك ينزف لمدة أربع ساعات حتى الموت، إجماع كل المحللين الإسرائيليين العسكريين منهم والسياسيين يرون في خطوة جيش الاحتلال الإسرائيلي تقاعس في إنقاذ حياة الجندي الدرزي تشكل خرق للقواعد "العسكرية والأخلاقية" للجيش.
العنصرية في جيش الاحتلال حتى بين اليهود أنفسهم
العنصرية في جيش الاحتلال لا تقتصر على الجنود العرب فقط، اذ ان قيادات الجيش ايضا تميز بين اليهود ذاتهم المنقسمين بينه يهود الغرب ( الأشكيناز) والذين يشكلون 40 بالمئة من يهود فلسطين ويهود الشرق (السفارديم) الذين يشكلون 36 بالمئة من يهود الكيان الاسرائيلي، اذا تشير الاحصائيات الى أن الاشكيناز يشلكون الغالية العظمى من الرتب الرفيعة في جيش الاحتلال بالاضافة الى سياسة التمييز العنصري التي تمارس ضد هؤلاء في مجالات التعليم والاقتصاد والمؤسسات.