الوقت- قد تكون "اسرائيل" نجحت في إغواء واشنطن وتمكنت من أن تنتزع منها الاعتراف بالقدس عاصمة لها، هذا الاعتراف يعتبره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إنجازا لم يسبقه عليه أحد من الرؤساء الأمريكيين السابقين، وتراه "اسرائيل" أيضاً انتصار لها ولسياستها الإقصائية مع الفلسطينيين، ورغم كل التحذيرات التي وجهت للاثنين لمنع صدور هكذا قرار أصر ترامب على ذلك، لتتطور الأمور إلى مرحلة لا ترغب بها الولايات المتحدة ولا ربيبتها اسرائيل، وها نحن اليوم بعد أقل من شهر على صدور القرار نشاهد انطلاق شرارة انتفاضة فلسطينية ثالثة ستحمل في طياتها جواباً واضحا لترامب لماذا لم يصدر أسلافه هكذا قرار.
الحقيقة الجديدة التي يجب أن تفهمها واشنطن أنها لم تعد تملك المقومات التي تجعلها قوية في جميع الأوقات والأماكن، العالم تغير ونظرية القطب الواحد على شفا السقوط إن لم تكن سقطت بالفعل، لهذا يجب أن تُحذر واشنطن حليفتها الآن من غضب الفلسطينين الذي بلغ الزبى بعد أن تم القضاء على جميع محادثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والذي أثر بطبيعة الحال على مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل العملية السياسية.
أسباب الانتفاضة
أولاً: لم يعد أمام الفلسطينيين أي خيار آخر بعد أن أطلقت اسرائيل رصاصة الرحمة على جميع الجهود الدبلوماسية التي كان من شأنها أن تخفف التوتر بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ليتم القضاء نهائيا على جهود السلام بعد قرار الكنيست فجر يوم أمس الثلاثاء، والذي يقضى بإجراء تعديل على "قانون أساس القدس عاصمة إسرائيل" يهدف إلى تقييد مواقف حكومة إسرائيل في أي مفاوضات مستقبلية حول القدس، وهو ما يعني عمليا احتفاظ "إسرائيل" بالقدس كاملة تحت سيطرته، وهذا ما يرفضه الفلسطينييون جملة وتفصيلا.
ثانياً: اسرائيل تعمل جاهدةً الآن لافشال المصالحة الفلسطينية التي لا تصب في صالحها بأي حال من الاحوال، وهذا ليس مستغربا فاسرائيل منذ نشأتها دأبت لإحداث فتن مستمرة بين الفلسطنيين ومنع أي اتحاد يمكن أن يجعلهم يتحدون ولها أساليب كثيرة وخبرة طويلة في هذا المجال وتعلم مع من تتعاون لإيقاف مثل هذه المصالحات، وقد حذرت حماس اسرائيل يوم أمس من تداعيات افشال المصالحة الفلسطينية.
ثالثاً: على ما يبدو أن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم وحيدين في مواجهة توجهات المجتمع الدولي بعد غياب الدور العربي والاسلامي عن دعم القضية الفلسطينية بشكل فعلي، والاكتفاء بإطلاق خطابات توبيخية لا ترتقي إلى جزء بسيط مما كان ينتظره الفلسطينيين من اخوانهم في المنطقة، والأنكا من هذا أن بعض الدول ذهبت إلى التطبيع مع اسرائيل بدلا من الانتفاض في وجه الصهاينة واجرامهم.
رابعاً: الفلسطينييون وخاصة أهل عزة ضاقوا ذرعا من جرائم الاحتلال وتصعيده العسكري والميداني اتجاههم، فضلا عن تعمدهم حصار القطاع وقطع جميع سبل الحياة فيه وإن بإمكانهم أن يقطعوا الهواء عنهم لقطعوه، وبالإضافة إلى هذا الحصار يقوم الصهاينة بشن غارات على القطاع بين الفترة والأخرى، كل هذا ألهب الانتفاضة في قلوب الفلسطينيين وحول القطاع قنبلة موقتة حاليا قد تنفجر في أي لحظة في وجه الصهاينة.
الغضب الساطع آت
بعد كل الذي شرحناه آنفا لم يعد أمام حركات المقاومة الفلسطينية سوى التحضير لانتفاضة ثالثة في وجه الكيان الصهيوني لاسترجاع حقوقهم المغتصبة، والبداية كانت مع حركة حماس التي قرّرت لتشكيل لجنة تضم قياديين لتفعيل "انتفاضة حرية القدس"، ودعت في بيان لها يوم امس الثلاثاء"2/1/2018" "إلى تصعيد انتفاضة القدس واستمرار كل حالات الإسناد الإقليمي والدولي لعدالة قضيتنا وتصاعدها في مواجهة السياسات الأمريكية الإسرائيلية العنصرية المتطرفة".
وطالبت الحركة في بيانها الرئيس الفلسطيني محمود عباس باتخاذ عدة خطوات عملية، أهمها إعلان انتهاء أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وسحب الاعتراف بالكيان "الإسرائيلي"، ودعوة الإطار القيادي المؤقت بمنظمة التحرير من أجل التوحد على برنامج وطني شامل يرتكز على خيار المقاومة للدفاع عن حقوقنا وكسر معادلات الاحتلال.
من هنا نجد أن القادم من الأيام قد يحمل في طياته أيام صعبة على "اسرائيل" قد ينقلب فيها السحر على الساحر، وتبدأ حينها "اسرائيل" بتحميل الولايات المتحدة تداعيات قرار نقل السفارة، وقد سمعنا خلال الفترة الماضية كلاما مشابها من بعض المسؤولين الاسرائيليين الذي استشعروا خطورة الموقوف ورأوا أن تبعاته ستضر باسرائيل أكثر مما قد تنفعها.
القيادتان الامريكية والاسرائيلية تلعبان بالنار الذي بدأ يشعل الغضب داخل حركات المقاومة الفلسطينية ويجعلها تستعد لبدء انتفاضة جديدة قد تبدأ في أي لحظة، نظرا لتجاوز اسرائيل وأمريكا جميع الحدود وقطع جميع سبل الحل الدبلوماسية، لذلك يمكننا الاستنتاج بأن شرارة الانتفاضة بدأت تتقد في غزة ولا أحد يعلم إلى أين ستصل أثارها، فاحذروا أيها الصهاينة.