الوقت- شهدت العلاقات بين تركيا وحلفائها التقليديين توترات ملحوظة خلال العامين الأخيرين على خلفية الأزمات المتعددة في الشرق الأوسط.
وتُعزى هذه التوترات بشكل أساسي إلى عاملين رئيسيين؛ الأول يكمن بتقاطع المصالح الاستراتيجية بين أنقرة وحليفاتها السابقات لاسيّما واشنطن والرياض وتل أبيب، والثاني يرتبط بنزعة التنافس غير الطبيعية بين هذه الأطراف والتي يسعى كل منها إلى توسيع نفوذه في عموم المنطقة.
ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى عدد من تصريحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التي تبين مدى الخلاف في العلاقات بين أنقرة من جهة وواشنطن والرياض وتل أبيب من جهة أخرى.
ففي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتهم أردوغان الإدارة الأمريكية بدعم تنظيم "داعش" الإرهابي، معرباً عن خيبة أمله بشأن الوعود التي أطلقتها واشنطن في هذا المجال. وأشار الرئيس التركي إلى أن واشنطن كانت قد وعدت بمحاربة "داعش" إلّا أنها في الحقيقة دعمت هذا التنظيم بكافة الوسائل المادية والعسكرية واللوجستية.
وقبل عدّة أيام اتهم أردوغان واشنطن بنقض العهود وخرق الاتفاقيات الدولية في إشارة إلى قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، وطلبه كذلك من الخارجية الأمريكية الاستعداد لنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، واصفاً إسرائيل بالكيان الإرهابي والمحتل والمتورط بقتل الشعب الفلسطيني ومن بينهم الأطفال.
من جانب آخر اتهم أردوغان السعودية بالضلوع في حياكة المؤامرات ضد بلاده، مؤكداً أن الأزمات التي تشهدها العديد من بلدان المنطقة ومن بينها العراق واليمن تمثل حلقات متسلسلة ضمن مشروع واحد يهدف إلى تغيير الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة من قبل بعض الأطراف في إشارة واضحة إلى أمريكا والسعودية والكيان الإسرائيلي.
النزاعات الأساسية والسياسات غير المتوافقة
من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم التوتر بين أنقرة من ناحية، وواشنطن والرياض من ناحية أخرى، هو الدعم الذي قدمته أمريكا والسعودية لأكراد سوريا الساعين إلى إقامة "منطقة حكم ذاتي" في شمال البلاد، الأمر الذي تعتبره تركيا بمثابة تهديد مباشر لأمنها لاعتقادها بأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD) هو امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور والذي يسعى أيضاً لإقامة منطقة حكم ذاتي في جنوب تركيا، مما أدى إلى توتر العلاقات بين تركيا وأمريكا بسبب دعم واشنطن لأكراد سوريا.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تأزمت خلال الأشهر الأخيرة بسبب دعم الأخيرة لـ"استفتاء الانفصال" الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول الماضي والذي وجدت فيه تركيا تهديداً لأمنها باعتبارها تضم أقلية كردية تسعى للانفصال أيضاً عن البلاد بقيادة حزب العمال الكردستاني.
ومن الأمور الأخرى التي تسببت بتفاقم التوتر بين تركيا من جهة، وأمريكا والسعودية وإسرائيل من جهة أخرى، هو دعم أنقرة لحركة "الإخوان المسلمين" في عموم المنطقة، الأمر الذي ترفضه واشنطن والرياض وتل أبيب.
ومن المعلوم أن تركيا والسعودية تتنافسان فيما بينهما لتوسيع نفوذهما في المنطقة والعالم الإسلامي، وقد اشتد هذا التنافس بشكل واضح بعد اندلاع الأزمة المتعددة الجوانب بين قطر من ناحية، والسعودية وحلفائها لاسيّما البحرين والإمارات ومصر من ناحية أخرى، لأن أنقرة تدعم الدوحة لوجود مصالح مشتركة بين الطرفين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، في حين تصر الرياض وحلفاؤها على تشديد الضغط على الدوحة بشتى الوسائل بذريعة اتهامها بدعم الإرهاب والتقارب من إيران.
ومن المسائل الأخرى التي ساهمت بتصعيد التوتر بين أنقرة وتل أبيب هو قيام وزير الحرب الصهيوني "أفيغدور ليبرمان" بدعوة كيانه لإعادة النظر في علاقاته مع تركيا لاسيّما في الجانب الاقتصادي خصوصاً بعد رفض أردوغان السماح لإسرائيل بتصدير الغاز من الأراضي الفلسطينية المحتلة باتجاه أوروبا عبر تركيا.
كما انتقد ليبرمان اعتذار تل أبيب من أنقرة وقبولها بدفع غرامية مالية لضحايا الهجوم الذي شنته قوات خاصة إسرائيلية على سفينة "مرمرة" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة قبل عدّة أعوام.
وكانت صحيفة "عكاظ" السعودية قد نشرت في أوقات متفرقة مواضيع تتهم أنقرة بمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بسبب موقفها الداعم للدوحة التي تأزمت علاقاتها مع الرياض وحلفائها منذ عدّة أشهر كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل.
هذه الأسباب وغيرها ساهمت في توتر العلاقات بين تركيا الطامحة لتعزيز نفوذها في المنطقة وبين أمريكا وحلفائها لاسيّما السعودية والكيان الإسرائيلي الذين يسعون بكل ما لديهم من أجل تفتيت المنطقة. ويتوقع المراقبون أن يتصاعد هذا التوتر خصوصاً بسبب خشية تركيا من تواصل الدعم الأمريكي - السعودي لأكراد سوريا، وسعي الرياض لتوظيف الأزمات لخدمة واشنطن وحليفاتها لكسب ودّهم مقابل دعمهم لنظام آل سعود للبقاء مدة أطول في السلطة.