الوقت- لا يمكنك أن تستبشر خيرا عندما يأتيك الأمريكي يا أخي العربي؛ فكيف إذا كان القادم من رجال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المقربين، هنا لابد من الاحساس بخطورة الأمر وعدم تجاهله لكون زعيم الرجل القادم على استعداد لقلب الدنيا رأسا على عقب والتخلي عن أقرب الحلفاء خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة والذي يصب في صالح بقاء ترامب في السلطة وفقا لوجهة نظر ترامب الذي يعول على دعم اللوبي الصهيوني له خلال فترة حكمه.
الرجل القادم إلى الشرق الأوسط في زيارة تستمر ثلاثة أيام هو نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، وتبدأ زيارة بنس مساء الثلاثاء 19من ديسمبر/كانون الأول منطلقا من واشنطن ليصل إلى القاهرة ظهر الأربعاء في زيارة لا تتجاوز بضع ساعات يلتقي خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليتوجه بعدها وفي ساعة متأخرة من نفس اليوم إلى "إسرائيل"، وسيلتقي بنس خلال زيارته للكيان الصهيوني التي من المفترض أن تستغرق يوما ونصف تقريبا بكل من رئيس الكيان ريئوفين ريفلين، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ومن اللافت أن برنامج الزيارة إلى "اسرائيل" يتضمن إلقاء خطاب أمام البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، وهذا الأمر لم يحدث منذ عشر سنوات، وبالتالي فإن بنس سيكون أول مسؤول أمريكي يلقي خطابا في الكنيست الاسرائيلي منذ عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في العام 2008، وهذا ما يؤكد بأن واشنطن ماضية في مشروع نقل السفارة إلى القدس ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
جس النبض الشرق أوسطي
ليس مستغربا أن ترافق زيارة بنس مصائب جديدة لكون الأمريكيين لم يعودونا على حمل الزهور عند قدومهم وإنما سيكرسون سياستهم في اتمام صفقة معينة أو خلق مصيبة جديدة واحداث فتنة جديدة في قلب الأمة ولكن ما يؤلم أن واشنطن تجد دائما من يسهل لها مشاريعها وكأن بعض الانظمة العربية تحولت إلى مكاتب تعقيب معاملات لمشاريع واشنطن التهديمية في المنطقة.
زيارة نائب الرئيس الأمريكي تأتي في وقت تشهد فيه عواصم العالم العربي والاسلامي غضبا شعبيا تجاه قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بنقل سفارة بلاده للقدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، ومع ذلك لا يعير الأمريكييون أهمية كبيرة لهذه المظاهرات لكون الحكومات لم تنسجم مع شعوبها في رفض القرار بل جاءت ردود أفعالها منضبطة إلى حد ما ولاترتقي إلى الحد الذي يقلق واشنطن لكونها لم تتعدى الاستنكار والتنديد دون القيام بأي ردة فعل حقيقة أو اتخاذ موقف بالاجماع يجعل ترامب يحسب حساب للمرحلة القادمة أو يضطره على الأقل أن يتراجع عن موقفه.
إذا وبعد ضمان عدم ظهور أي ردة فعل حقيقية على المستوى الرسمي لدول العالم العربي والاسلامي "تجاه قرار ترامب الأخير " للأسبوع الثاني على التوالي، يبعث ترامب نائبه للتحضير للمرحلة الثانية من الخطة والتي سنفند أهدافها بالتالي:
أولاً: التأكيد على الروابط المتينة مع بعض الأنظمة العربية والتنسيق معها لتخفيف حدة التوتر في الشارع العربي عقب قرار ترامب الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومما لاشك فيه أن واشنطن مرتاحة لهذا الشرخ الموجود بين الأنظمة العربية وشعوبها، خاصة أن المظاهرات السلمية التي خرج بها الشعب قوبلت بالقمع والاعتقال والتنكيل في بعض البلدان، وهذا ما سيلعب عليه الامريكي اليوم ويعمقه، وكان مستفزا جدا كلام بعض الساسة العرب فيما يخص موضوع القدس خاصة الكلام الذي جاء به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خلال حوار له مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، حين أكد أنه رغم قرار ترامب، لا يزال يرى في واشنطن مفاوضا نزيها في القضية الفلسطينية.
ثانياً: دعم الكيان الصهيوني الذي يعيش مرحلة جديدة قلقة وما يريده الأمريكي اليوم هو التربيت على كتف الاسرائيلي وإظهار الدعم الكامل له وهذا ما دفع بنس للإعلان عن إلقاء خطاب في الكنيست لإبراز الدعم لأقصى درجة ممكنة، وهو ما جاء على لسان أحد مسؤولي الإدارة الأمريكية للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف حين قال "لا يمكننا أن نتصور سيناريو لا يكون بموجبه الحائط الغربي جزءا من (إسرائيل)".
ثالثاً: كما يقدم ترامب الدعم للاسرائيلي يريد في المقابل الحصول على دعم اللوبي الصهيوني "العقل التجاري لترامب يمنعه من تقديم خدمة بالمجان"، وبما أن ترامب اليوم يواجه ضغوطا داخلية غير مسبوقة كفيلة بأن تطيح به من البيت الأبيض في أي وقت، وجد نفسه مجبورا للإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني على عكس كل الرؤوساء السابقين عله يحظى بدعم اللوبي الذي يملك نفوذا كبيرا داخل أمريكا ويلعب دورا كبيرا في حفاظ ترامب على عرشه لذلك ترامب مستعد لحرق الشرق الأوسط بأكمله مقابل بقائه بالسلطة.
رابعاً: تقوية الاجماع العربي لمواجهة إيران وهذا الامر ليس بالجديد على السياسة الأمريكية ولكنه اليوم أصبح يأخذ شكلا أكثر حدة وفي بعض الأحيان يصل إلى حد تلفيق التهم بحق ايران لتأليب الرأي العالمي عليها وحادثة هايلي ليست بالبعيدة عن هذا الموضوع عندما اتهمت إيران بتزويد جماعة "أنصار الله" بالأسلحة دون وجود اي وثائق تثبت ذلك.
الواضح في الأمر أن إيران تغضبهم لكونها تمكنت من القضاء على داعش من خلال تحالفها مع روسيا والجيشين السوري والعراقي على عكس ما كانت تخطط واشنطن وحلفاءها في المنطقة.
ختاماً؛ الشعب العربي يواصل غضبه ليل نهار من الأردن إلى المغرب في ظل مواقف خجولة لحكومات هذا الشعب، وشارك هذا الشعب بعض الرموز الدينية الذين تضامنوا مع "القدس" أمثال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس، رافضين مقابلة بنس خلال زيارته للقاهرة الأربعاء القادم، في رسالة مفادها أن هناك رفضا شعبيا لهذه الخطوة حتى إن كان للأنظمة رأي آخر.