الوقت - أدلى الباحث والمحلّل السياسي الدكتور حسام مطر بحديث صحفيّ لموقع الوقت الإخباري تحدّث فيه عن قضية الرئيس سعد الحريري المحتجز في السعودية، فشل المخطط السعودي في لبنان وسيناريوهات ما بعد العودة. إليكم نص الحوار:
الوقت: ما الأسباب الكامنة خلف احتجاز الحريري ولماذا اختارت السعودية هذا التوقيت بالذات؟
مطر: "خلال الأشهر الأخيرة، وفي ظل دخول المنطقة مرحلة ما بعد داعش، كان هناك تحضير سعودي لتفعيل ساحات وأدوات جديدة لمواجهة محور المقاومة. فهم رأوا أن الوقائع الإقليمية تجري في عكس رياحهم، من اليمن إلى العراق وسوريا، وبالتالي كانوا خلال الفترة الأخيرة يكوّنون نوعاً من تحالف مع الإسرائيليين والأمريكيين، لإعادة تصويب وتحفيز وتنشيط المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة تحت عنوان مواجهة الهيمنة الإيرانية. وبناءا على ذلك كان السعوديون يريدون بدء استثمار الساحة اللبنانية كساحة مواجهة بعدما جرى تحييدها خلال السنة الأخيرة، بعد الإتفاق الذي حصل بين الرئيس سعد الحريري والرئيس عون وحزب الله، وكل الأطراف الأساسية. فكان المطلوب ضرب التسوية التي حصلت، ليصبح لبنان مجدّدا ساحة فوضى، ومواجهة تستهدف حزب الله وتضغط عليه، وتضعه تحت وطأة الإتهام الشعبي والسياسي بأنه ميليشيا مسلّحة تعمل بعكس مصالح الدولة اللبنانية والحكومة. هذا هو الهدف، أما التوقيت فهو مرتبط مباشرة بدخول المنطقة في مرحلة ما بعد داعش، وأيضا بمكان ما هو جزء من التغطية على عمليات الإقصاء الداخلي في السعودية، التي يقوم بها محمد بن سلمان، الذي يريد أن تبقى السياسة الخارجية السعودية نشطة كي يشتّت الإنتباه عما يجري داخل المملكة. وبطبيعة الحال يضاف إلى ذلك الموضوع اليمني، فالسعودية اليوم تعاني من أزمة في الملف اليمني، وتريد الضغط على حزب الله وإيران لدفعهم إلى تقديم تنازلات أو الضغط على أنصار الله والجيش اليمني لتقديمها، خاصة أنه يوجد اليوم نوع من الإنتباه العالمي لحجم المأساة الإنسانية التي تجري في اليمن، الكوليرا والمجاعة، وبالحصار التام والشامل على كل الموانئ والمرافئ التي كانت تدخل منها المساعدات إلى اليمن."
وأضاف المحلل السياسي اللبناني: "السعوديون كانوا بحاجة إلى ساحة جديدة ليحقّقوا نوعا من التوازن، والساحة اللبنانية كانت المتبقّية أمامهم. هنا حصلت الأزمة والإفتراق ما بين سعد الحريري والسعوديين، فتيار المستقبل برئيسه سعد الحريري والغالبية السنية في لبنان، كانوا يمانعون الذهاب فيما تريده السعودية، كانوا يقولون لها طوال الفترة الأخيرة: ما تطلبونه من مواجهة مع حزب الله سيكون فاشلا ولن يحقق أي نتائج، والتوازنات لا تسمح لنا بالفوضى، نحن سندفع الثّمن السياسي والأمني. وبالتالي حاول سعد الحريري طوال الأسابيع الأخيرة المناورة على السعوديين، وتأمين مظلة غربية وعربية لحمايته منهم، ولحماية التسوية والإستقرار. إلتفت السعوديون أنه لا يريد المواجهة، نتيجة توازنات ونتيجة أنه مستفيد من التسوية هو وتيار المستقبل، وأن الطائفة السنية لا مصلحة لها بخوض صدام مع شركائها في البلد، وعلى هذا الأساس تمّ استدعاؤه واحتجازه بهذا الشكل المهين، وإكراهه على تقديم الإستقالة."
الوقت: كيف تقرأون تأكيد رئيس الجمهورية بأن الحريري محتجز في السعودية، ووصفه ذلك بالعدوان؟
مطر: "رئيس الجمهورية أعطى وقتا للسعودية، منذ أسبوع تقريبا، للسماح للحريري وعائلته بالمغادرة، ومنذ ذلك الحين يقوم باتصالات مع وزير الخارجية، اتصالات دولية واقليمية واسعة، ونتيجة هذه الإتصالات أصبح لدى الدولة اللبنانية معلومات مؤكدة أن الرئيس سعد الحريري محتجز في السعودية، أي أنه منزوع الإرادة والحريّة وليس قادرا على المغادرة بإرادته، وأن مواقفه هناك تنطلق من الضغط السعودي عليه وعلى أسرته، ونتيجة هذه المعطيات كان رئيس الجمهورية يقوم بحملة متدرّجة، دون أن تصل إلى صدام مع السعودية، للضغط عليها بشكل يسهم بعودة الرئيس الحريري، وفي هذا السياق كان يقوم بحملة اتصالات واستقبال سفراء، وذهب وزير الخارجية في جولة دوليّة وإقليمية، وبدأ يصعّد في المواقف، وكلما وجد أن التعنّت السعودي لا زال قائما، كان يزيد الضغط ولوّح بالذهاب إلى مجلس الأمن مؤخرا، ووصل الأمر إلى اعتبار أن هذا الأمر يعد تعدّيا على كرامة اللبنانيين والسيادة اللبنانية في سبيل زيادة الضغوط على السعودية لإجبارها على تمكين الرئيس سعد الحريري من العودة إلى لبنان."
الوقت: بعد مرور عدة أيام، يمكن القول إن المخطط السعودي فشل، بسبب المواقف اللبنانية والمعارضة الداخليّة، كيف ترون آفاق هذا المخطّط؟
مطر: "إكتشف السعوديون أنهم قاموا بخطوة أكبر من الوقائع الموجودة في لبنان، فالتوازنات السياسية في لبنان لا تسمح لهم بهذا الهامش من المناورة، وبهذه القدرة، وبالتالي هم يتراجعون إلى الخلف الآن، بعد اكتشافهم أن هناك موقفاً لدى تيّار المستقبل وأغلبية الطائفة السنيّة بعدم المواجهة، وكان هناك أيضا نوع من الإجماع الوطني على حماية التسوية وعودة الرئيس الحريري، ودُعم كل ذلك بمواقف دولية وإقليمية قالت للسعودية إن الإستقرار هو مصلحة لبنان، ويجب المحافظة على التسوية، ومارسوا ضغوطا على المملكة، فاكتشف السعوديون أنهم قاموا بخطوة في الهواء، خطوة كانت مربكة وارتجالية وغير مبنية على وقائع، فتحوّل الإشتباك إلى إشتباك لبناني سعودي وأصبحت السعودية أمام العالم في موقع المتّهم، بينما كان الطموح السعودي إظهار أن حزب الله هو المتّهم، وتوريط العالم واللبنانيين بمواجهة مع حزب الله، لكن ما حصل هو العكس تماما، وكانت السعودية هي الجاني في هذا المسار وأصبحت في موضع الإتهام على المستوى الداخلي والخارجي."
الوقت: هل سيعود الرئيس الحريري؟ ماذا عن مرحلة ما بعد العودة إن تمّت؟ ما هي السيناريوهات المتوقّعة برأيكم؟
مطر: "من المرجّح أن تتمّ العودة خلال أيام، عبر التسوية الفرنسية – السعودية أو غير ذلك. ويؤكّد الحريري استقالته بعد عودته كيلا يتصادم مع السعوديين، من دون أن يذهب إلى صدام داخلي، يحافظ على أجواء التهدئة، من الآن وحتى الإنتخابات النيابية المقبلة بعد أشهر قليلة، ونكون نحن أمام حكومة تصريف أعمال، ويستمرّ الهدوء في البلد والإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي إلى حين الإنتخابات، وبعدها يبدأ الحديث عن تشكيل حكومة بشكل جاد، بناءا على التوازنات التي أنتجتها الإنتخابات، وبناءا على أن السياق الإقليمي والملفات الإقليمية الأساسية تكون قد تبلورت لها حلول حتى ذلك الوقت، وبالتالي يصبح هناك إمكانية لإعادة تشكيل حكومة وتجاوز الضغوط السعودية، هذا هو المرجّح حاليّا."
الوقت: ذكرتم التسوية الفرنسية – السعودية، ما هو تعليقكم عليها ؟
مطر: "التسوية مخرج للسعوديين، فالفرنسي له دور تاريخي في لبنان، وله علاقات تاريخية وشخصية مع سعد الحريري، وقد قام بدور الوسيط لحفظ ماء وجه السعودية من ناحية وتأمين مخرج للرئيس سعد الحريري من ناحية أخرى، وإعادته إلى لبنان للحفاظ على أجواء التسوية. فالأوروبيون لا يريدون ضرب التسوية بما ينعكس سلبا على اللاجئين السوريين في لبنان، أزمة اللجوء بالتحديد، بالتالي إن هذا المخرج هو جزء من الدور التاريخي للفرنسيين، وهو قائم على العلاقة الفرنسية مع الجانبين، والتي لطالما كانت مميّزة، وهي طرف مقبول في لبنان كي تكون جزءا من تسوية هذه القضية."
الوقت: كيف سيؤثّر ما قامت به السعودية على مكانتها وشعبيّتها في الداخل اللبناني، خصوصا بين الأوساط السنيّة؟
مطر: "من الواضح أن صورة السعودية وهيبتها في لبنان تعرّضت لضربة قاسية جدّا، فقد وضعت نفسها في مواجهة عدائية، بعد توجيهها إهانة كبيرة للطائفة السنية، لتيّار المستقبل، جعلت كل كلامها على أنها تريد للمستقبل والسنة ما فيه مصلحتهم في موضع شكّ، تبيّن أن السعودية هي التي تتدخّل في لبنان وتنتهك السيادة اللبنانية، قامت بعمل استفزّ كل اللبنانيين، وبالتالي اكتشف تيار المستقبل وأغلبية الطائفة السنيّة أن السياسات السعودية في لبنان لا تأخذ مصالحهم ولا مصالح لبنان بعين الإعتبار، بل تريد استخدامهم واستثمارهم كأدوات لتحسين موقعها التفاوضي في الإقليم، مما يشكّل أقسى ضربة لصورة السعودية وهيبتها ودورها في لبنان منذ الحرب الأهلية."