الوقت- على مدى الأيام العشرة الماضية، كان لبنان مسرحا لتطورات جديدة حدثت بشكل مفاجئ بالكامل؛ بدءاً من استقالة سعد الحريري من داخل المملكة العربية السعودية إلى اعتقاله من قبل السعوديين انفسهم، حيث أكدت العديد من وسائل الإعلام الدولية صحة هذا الخبر.
وعلى الرغم من التطورات الأخيرة، كان الجميع ينتظر مرة أخرى ظهور أزمة جديدة في لبنان لزعزعة أوضاع البلاد وجرها إلى دائرة الأزمات وذلك بعد مضي ما يقارب عام كامل من وجود حالة من الأمن والاستقرار في البلاد.
ومع ذلك، وفي هذه الأيام العشرة الماضية، وإضافة إلى عدم وقوع أي حالة تُسبب انعدام الاستقرار في لبنان وتُدخل البلاد في دائرة الصراع، تشير كل الأدلة إلى نوع من التضامن ووحدة لم يسبق لها مثيل بين التيارات والأحزاب في هذا البلد.
ومن ناحية أخرى، حافظت المؤسسات والمنظمات والوكالات الأمنية حتى الآن على وحدتها وانسجامها تماما، على عكس ما يتوقعه الأمريكيون وحلفاؤهم السعوديون.
إن قضية المؤامرة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في لبنان ليست قضية جديدة قد برزت في استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء. فلقد سعت إدارتي واشنطن والرياض دائما إلى جر لبنان للدخول في أزمة وصراع جديد بعد تولي ميشيل عون منصب رئيس الجمهورية في لبنان، وهي المحاولة التي فشلت حتى الآن من خلال تكاتف الشعب اللبناني وسيادته ووحدة الأطراف والقوى السياسية المختلفة.
مع كل هذا، فقد كشف المستشار السياسي والإعلامي للرئيس اللبناني ميشال عون، "جان عزیز" أبعاداً جديدة لمؤامرة الولايات المتحدة في لبنان.
وفي هذا الصدد، قال "جان عزيز" المستشار الإعلامي للرئيس اللبناني، في كلمة ألقاها بشأن مؤامرات الولايات المتحدة وحلفائها لضرب لبنان، "إن هذه المؤامرة فشلت في نهاية المطاف ولم تثمر عن نتائج."
وأضاف عزيز: "إن الحريري كان يعارض هذه المؤامرة وربما ان معارضته هذه خلقت الظروف الراهنة له". وأضاف: "إن معارضة الحريري وتياره لهذه المؤامرة وكذلك وحدة اللبنانيين على موقف ميشيل عون، كشفت عن خطورة هذه المؤامرة ونتائجها الكارثية على المنطقة بأسرها، والتي أثرت بشكل ما على الأمريكيين وأدت إلى هزيمة مخططهم".
لذلك، يتضح من تصريحات مستشار الرئيس ميشيل عون، أن المؤامرة الأمريكية لإدخال لبنان في نفق مظلم تشوبه الاضطرابات والفوضى تعود الى فترة طويلة.
والحقيقة أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة يلعبان دورا مكملا لإقحام لبنان في مستنقع الأزمات. إن مُخطط خلق الأزمة في لبنان وتحويلها إلى بلد مثل سوريا، التي قد تدمرت بنيتها التحتية إلى حد كبير، تم طرحه من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
وتنقسم أدوار هذا المخطط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. حيث ستتولى الولايات المتحدة، وفقا للمخطط، مسؤولية فرض عقوبات اقتصادية على حزب الله اللبناني، وفرض ضغوطات اقتصادية على هذا الحزب، وبالتالي فرض عقوبات اقتصادية على لبنان، وعلى الجانب الاخر، تتولى المملكة مسؤولية فرض ضغوطات سياسية على البلاد.
وتحديدا هذا هو السبب في أن المسؤولين السعوديين وجّهوا دعوة مفاجئة لسعد الحريري لزيارة الرياض ومن ثم إجباره على تقديم استقالته من منصب رئاسة الوزراء، وذلك بعد مرور ما يقارب اسبوعين من فرض العقوبات الاقتصادية ضد حزب الله اللبناني من قبل الكونغرس الامريكي، لكي يتم على هذا الاساس تبديل لبنان مرة أخرى الى ساحة للحروب والصراعات السياسية على السلطة.
ان تزامن الضغط الاقتصادي والسياسي على كل من حزب الله ولبنان من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، يشير وحده الى التأكيد بأن هذه الضغوط تأتي في سياق مؤامرة تم التخطيط لها في جهاز استخبارات الكيان الصهيوني الموساد.
ومع كل هذا، فإن المؤامرة المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لخلق أزمة في لبنان وخلق صراعات سياسية بين الأحزاب ومختلف الأطراف السياسية قد واجهت هزيمة كبيرة.
ويكمن جزء كبير من النجاح (فشل تحقق مطالب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية) في الدور المحوري للسيد حسن نصر الله والإدارة الذكية والحكيمة للرئيس اللبناني ميشيل عون. في حين كان يظن المحور الأمريكي - السعودي - الصهيوني أن سياق الأزمة السياسية الأخيرة في لبنان، من شأنه ان يتسبب بفوضى بين الأطراف السياسية اللبنانية وان تقف الاحزاب السياسية واحدة تلو الاخرى في مقابل الاطراف الاخرى، في حين ستقوم حزب الله بضرب معارضيها في مجريات 14 مارس، ولكن كل حساباتهم انهارت ليثبت مرة أخرى أن لبنان ليست اهلا للفتن والمؤامرات.
على اي حال، يعتقد الكثيرون أن السيناريو السعودي الأخير في لبنان اذا دلّ على شئ فهو يدل على فقدان السعودية لوزنها ومكانتها في المنطقة، خاصة بعد الانتصارات الأخيرة للحكومة السورية، فضلا عن الهزيمة الكبرى التي لحقت بالجماعات التكفيرية والإرهابية في العراق.
في هذه الظروف، يبدو من وجهة نظر السعوديين، ان لبنان كانت آخر محطة لهم لتنفيذ مخططاتها فيها وإدخال البلد في دائرة الأزمات، وذلك بعد فشل خططها ومؤامراتها في العراق وسوريا وتورطها في حرب اليمن الاستنزافية، لتتمكن من ذلك بتوجيه ضربة الى حزب الله ومحور المقاومة، غير أن خطط الرياض في لبنان تسببت في الواقع إلى إنقلاب السحر على الساحر وتعرُض المملكة الى أضرار قبل غيرها.
في هذه الحالة، في حين أن المجتمع الدولي لم يبدي تفاؤلا في تدخل الرياض بسلطة بيروت، ولا حتى أقرب حلفاء السعودية لم يواكب المملكة في لبنان، لذلك هناك سؤال يطرح نفسه بقوة وهو، على ماذا كانت تقوم الخطوات الاخيرة التي خطت بها المملكة العربية السعودية في لبنان وما كانت حساباتها في مثل هذا الاجراء؟