الوقت- لم يعد أي قرار سعودي مهما بلغ من اللاإنسانية مستغربا بحق الشعب اليمني، فالعدوان المستمر منذ ما يزيد عن العامين قد تخطى كل الحدود والتوقعات وفتك بالبشر قبل الحجر، فلا خطوط حمر ولا استثناءات في قاموس آل سعود، اليوم تطالعنا السعودية بقرار جديد بإغلاق كافة المنافذ البحرية والجوية التي يتمّ عبرها تأمين أبسط مستلزمات الحياة للشعب في نقض فاضح لكافة القرارات والأعراف الدولية، قرار يُراد منه قتل اليمنيين بالجوع بعد أن لم تسكتهم كافة أشكال العدوان.
قرار تذرع حلف العدوان أنه لمنع تهريب الأسلحة والصواريخ للحوثيين، خاصة بعد استهداف الرياض بصاروخ أسقط المفاعيل العسكرية والميدانية لأشهر العدوان الطويلة مؤكدا أن اليد العليا لا زالت للأطراف اليمنية التي تريد حرية اليمن وسيادته واستقلالية قراره بعيدا عن البلاط السعودي.
أمّا عن الخلفية الحقيقية لهذا القرار الذي سيُفاقم الأزمة الإنسانية في الداخل اليمني، وناهيك عن الغيظ السعودي من وصول صاروخ يمني إلى عاصمتهم، فهو يؤكد أن الخيارات السعودية العسكرية قد استُنفذت تماما، ولم يعد هناك من إمكانية لردود عسكرية أقسى من التي قام فيها العدوان طيلة السنتين ونيف الماضية. ولذلك لجأ اليوم إلى خيار بالشكل غير عسكري أما بالتأثير فهو مدمّر أكثر من أي خيار عسكري آخر.
الواقع الفعلي في اليمن يتحدث عن انتشار مخيف لمرض الكوليرا، حيث تقول التقارير الميدانية أن أكثر من نصف مليون معرضون لهذا الوباء وأكثر من سبعة ملايين يمني باتوا يعيشون الفقر المتقع. ناهيك عن الأزمة الموجودة أصلا في تأمين الأدوية اللازمة والمواد الأولية لاستمرار الحياة. هذا القرار سيفاقم الأوضاع بشكل سريع وقد بدأت نتائجه بالفعل تظهر من خلال النقص في بعض المواد الأساسية ومنها المحروقات.
هذا القرار كان قد سبقه نشر السعودية لائحة بأسماء أربعين شخصية من القيادات الحوثية مع تقديم جوائز مالية ضخمة للحصول على معلومات عنهم، لائحة جاءت متأخرة جدا وتؤكد حالة التخبط التي تعيشها قيادة العدوان عل اليمن. كلها مؤشرات تساهم في تأكيد أن السعودية وحلفائها إنما يأسوا من الوصول إلى حسم عسكري إضافة إلى حسم عدم إمكانية إخراج أنصار الله من أي معادلة حل سياسي في المستقبل.
الأمر الغير مستغرب أيضا والذي ترافق مع هذا القرار هو عدم التفاعل كما يجب دوليا حيال ما يجري، وكيف لا؟ وقد تمكنت السعودية من شراء ضمائر الدول الكبرى بريالات معدودة. وحدها الأمم المتحدة أبدت قلقها من تفاقم الأوضاع الإنسانية لأن القرار سيؤثر على المساعدات. قلق وجوده وعدمه سواسية فهو لا يقدم ولا يؤخر في معجم آل سعود بالمطلق.
الحقيقة جرس الخطر ليس فقط بسبب العدوان كعدوان، بل بسبب حالة الكوما التي يعيشها الضمير العالمي الذي يقف متفرجا أمام انتهاكات العدوان السعودي دون تحريك ساكن، بل وأكثر من ذلك تستمر الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا في دعم الكيان السعودي وتزويده بالسلاح الفتاك وبعضه محرّم دوليا ليتم تجربته على رؤوس الشعب اليمني.
على كل حال هي مسألة وقت لا أكثر تفصل اليمنيين وشعوب المنطقة من انتهاء لعبة النار التي يخوضها آل سعود وعلى رأسهم محمد بن سلمان، فكافة الملفات والأزمات التي تخوضها السعودية وصلت إلى حائط مسدود، والغريب أن كافة الملفات يتبع معها بن سلمان نفس التكتيك وهو الهروب إلى الأمام بدل حلّها كما يجب. لعبة ستسقط بن سلمان في النهاية في الهاوية إلى غير رجعة.