الوقت- لم يكمل دونالد ترامب عامه الأول في توليه منصب رئيس جمهورية أمريكا، حتى انهالت الكوارث والأزمات على بلاده، لتشهد الولايات المتحدة الأمريكية أسوء مرحلة في تاريخها منذ خمسينات القرن الماضي أي الفترة التي سبقت الحرب الأهلية الأمريكية، وهذا يعود لأسباب كثيرة أهمها طريقة إدارة ترامب للبيت الأبيض والتي أدت بشكل أو بأخر لزيادة الانقسام بين صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بدوره انعكس على السياسة الداخلية والخارجية لواشنطن وجلب معه أزمات وأعداء جدد لأمريكا.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم كيف يمكن لترامب أن يدير الكوارث التي تحل ببلاده وهو نفسه من يأزمها أكثر وأكثر بأسلوبه الإقصائي والهجومي الذي يهدد السلم الأهلي في العالم أجمع من جهة، ويقلق المجتمع الأمريكي الذي أصبح يخاف على مستقبله وأمنه من جهة أخرى.
اليوم تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تحديات كبيرة على جميع المستويات، فالكوارث تعصف بها من كل الجهات "كوارث طبيعية، هجمات إرهابية، حرب عنصرية ومطالب بالانفصال"، جميعها اجتاحت المجتمع الأمريكي مثل النار في الهشيم، واليوم تمر كاليفورنيا بأسوء كارثة بالتاريخ الأمريكي، حيث اجتاحت الحرائق هذه الولاية وامتدت إلى مساحات هائلة، ما دفع الالآف إلى مغادرة مناطق سكنهم، وأعلنت السلطات الأميركية ارتفاع عدد الضحايا إلى 40 قتيلا، مشيرة إلى أن أكثر من 10 آلاف رجل إطفاء يكافحون 16 حريقا، وأن هناك 100 ألف شخص تم إجلاؤهم حتى الآن، وقد دمرت النيران حوالي 864 كيلومترا مربعا من المناطق السكنية والغابات، وغيرها من الممتلكات منذ بداية هذه الكارثة يوم الأحد الماضي. وجاء في بيان صادر عن إدارة الإطفاء "أن هذه الحرائق كانت مدمرة للغاية بحيث دمرت 5700 منزل ومتجر، في حين يواصل رجال الإطفاء والإنقاذ البحث عن مفقودين"، وللتذكير فإن الحريق الذي اندلع في غريفيث بارك في منطقة لوس أنجليس في 1933 أودى بحياة 29 شخصا على الأقل فيما لقي 25 شخصا حتفهم في حريق أوكلاند هيلز عام 1991، ما يعني أن الحرائق التي تشهدها كاليفورنيا هي الأصعب في التاريخ الأمريكي.
ولم يقتصر غضب الطبيعة على حرائق كاليفورنيا فقد سبقها إعصارين مدمرين حصدوا أرواح المئات من المواطنين الأمريكيين، نبدأ من إعصار هارفي الذي ضرب سواحل ولاية تكساس الأمريكية، وسبب خسائر كبيرة وصلت إلى 180 مليار دولار، بحسب ما صرح به حاكم تكساس، وتسبب الإعصار بوفاة نحو 50 شخصا، وأضرار مادية كبيرة، وتشريد أكثر من مليون في ولايتي تكساس ولويزيانا بسبب الفيضانات وارتفاع مستوياتها بشكل غير مسبوق. وأصابت الأضرار أكثر من 100 ألف منزل، في حين احتمى 43500 شخص في ملاجئ، وتقدم أصحاب 436 ألف منزل بطلب مساعدة.
ولم تكد آثار إعصار هارفي تتلاشى حتى بدأ إعصار "ايرما" بالظهور وبالتحديد في يوم 30 أغسطس، وتم تصنيفه على أنه إعصار استوائي اجتاح كل من جزر ليوارد وباربودا وسانت مارتن وبورتوريكو وسان بارتيلمي وكوبا وأنغويلا والأنتيل الفرنسية وجزر العذراء وباربادوس بالكاريبي وولاية فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة، ومع اقتراب الإعصار من فلوريدا تم إعلان حالة الطوارئ في جميع مناطق الولاية البالغ عددها 67 مقاطعة، تخوفاً من اجتياح إعصار إيرما، حيث أصدرت سلطات ولاية فلوريدا أوامر بإجلاء أكثر من 6.3 مليون شخص من منازلهم وذلك خشية تعرضهم لأي مخاطر ناتجة عن الأعصار، وخلف الإعصار عندما اجتاح جزر الكاريبي 37 قتيلا على الأقل.
هجمات إرهابية وحرب عنصرية
تعرضت لاس فيغاس لهجوم إرهابي في بداية الشهر الحالي تم وصفه بأنه الأكثر دموية، حيث لقي ما لا يقل عن 50 شخصاً مصرعهم وأصيب أكثر من 400 آخرين في إطلاق نار خارج منتجع وكازينو خليج ماندالاي فى لاس فيغاس خلال مهرجان الموسيقى. وذكرت الشرطة أن الرصاص أُطلق من الطابق الـ 32 بالمنتجع.
وكان من اللافت جدا أن وسائل الإعلام العالمية لم تصف المسلح ستيفن بادوك بالإرهابي، واستبدلت هذا بوصفه بأنه "ذئب منفرد" و "جد" و"مقامر" و"محاسب سابق"، لكنه لم يوصف بكلمة "إرهابي"، وعلى اثر ذلك تفجر نقاش حول هذا الموضوع على شبكات التواصل الاجتماعي، وقال كثر إنه لو كان مسلما، فإن مصطلح "إرهابي" كان سيُستخدم على الفور لوصفه، كما كان سيجري ربطه ب"الإرهاب الإسلامي" حتى من دون وجود أي دليل.
في مقابل ذلك عادت العنصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بقوة حيث شهدت مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا الأمريكية تدفق للمتظاهرين من القوميين البيض ومحتجين مناوئين لهم، ما اضطر الولاية إلى إعلان حالة الطوارئ فى المنطقة فيما سعت أجهزة تطبيق القانون إلى احتواء اشتباك سبق التظاهرات، واندلعت الاشتباكات يوم 12 أغسطس/آب الماضي، بعد أن قرر مجلس مدينة تشارلوتسفيل إزالة تمثال يرمز لحقبة العبودية، للجنرال روبرت لي، وهو من دعاة الإبقاء على العبودية خلال الحرب الأهلية الأمريكية، الأمر الذي أثار حفيظة القوميين المتعصبين، ما أسفر عن وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى.
إلى ذلك شهدت مدينة سانت لويس الأمريكية توترا خلال الشهر الماضي بعد تبرئة شرطي أبيض من قتل رجل أسود في قرار قضائي أدى إلى تظاهرات وأعمال عنف، وفي آخر حدث عنصري سلطت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية الضوء على حادثة انقضاض كلب ولحظة هجومه بوحشية على أحد المشتبه فيهم، في سان دييغو بولاية كاليفورنيا بأمريكا. وسمح ثلاثة رجال من ضباط الشرطة للكلب بمهاجمة أحد المشتبه بهم ( ذو بشرة سوداء) وعضه بشراهة، بينما كان ملقي على الأرض ومكبل من الخلف.
ختاما، هذه الأحداث وغيرها تضع الإدارة الأمريكية أمام تحديات كبيرة تجعلها على المحك أمام شعبها وشعوب العالم أجمع، خاصة بعد هذا الكم الهائل من الكوارث التي اجتاحت المجتمع الأمريكي خلال فترة حكم ترامب، فهل تستطيع إدارة ترامب إدارة الأزمات التي تواجهها أم أنها ستتعقد أكثر وأكثر دون الوصول إلى أي حل؟!.