الوقت- كان خطاب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأخير ضد الجمهورية الإسلامية في إيران طافحاً بالحقد والغضب أكثر مما هو خطاباً استراتيجياً كما يسمونه بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
ومن خلال قراءة هذا الخطاب وردود الأفعال العالمية تجاهه يمكن استنتاج ما يلي:
- سعى ترامب من خلال خطابه إلى تحريض العالم ضد إيران لإقناعه بالوقوف ضد الاتفاق النووي المبرم بين طهران والمجموعة السداسية الدولية عام 2015، ولكنه أخفق في ذلك، والدليل على إخفاقه ردود الأفعال التي صدرت عن الترويكا الأوروبية وروسيا والأمم المتحدة.
- سعى ترامب إلى حرف الحقائق التاريخية والجغرافية، وتجلى هذا الأمر في خطابه حينما استخدم المصطلح المزيف بشأن الخليج الفارسي. وكذلك سعى إلى اتهام إيران بدعم الإرهاب وعلاقتها بكوريا الشمالية وتنظيم القاعدة، مما عكس جلياً أن يد ترامب خالية من أي ذريعة قوية لتحريض الرأي العام العالمي ضد إيران.
- عكس خطاب ترامب مدى قدرة الجمهورية الإسلامية في إيران على المستويين الإقليمي والدولي، ويلمس المتتبع لهذا الخطاب وكأنه صادر عن وزير الخارجية السعودي وليس لرئيس أمريكي.
ويبدو أن الصفقة التي بلغت 500 مليار دولار بين السعودية وترامب لازالت تعطي مفعولها باعتبار أن الأخير ليس سوى تاجر دولي يسعى للكسب على حساب الحقائق والوقائع التاريخية والسياسية والميدانية.
- عكس خطاب ترامب نجاح الدبلوماسية الإيرانية على الساحة الدولية. فعلى الرغم من سعي الرئيس الأمريكي لتحشيد القوى الغربية ضد إيران، إلّا أن التصريحات الغربية أدانت ترامب في عدم تمسكه ببنود الاتفاق النووي، وهذا الشرخ بين أمريكا وحلفائها الغربيين لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية.
في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض ردود الأفعال العالمية بشأن خطاب ترامب:
● أكدت البيانات الصادرة عن مكاتب رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" رغبة الدول الثلاث في الحفاظ على الاتفاق النووي وضرورة التزام كافة الأطراف به.
● أكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" أن ترامب لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاق النووي"، مشددة على أن الاتحاد يعارض فكرة إلغاء أو تفكيك الاتفاق.
● انتقدت موسكو إستراتيجية ترامب حيال إيران، ووصفت خطابه بـ "العدائي والمهدد"، مؤكدة أن الاتفاق النووي مع طهران لا يزال سليما.
● طالبت الخارجیة الصينية جمیع الأطراف ذات العلاقة بالاتفاق النووي بحفظ هذا الاتفاق بدقة لتعزیز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
● أعرب الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" عن أمله في الحفاظ على الاتفاق النووي الذي وصفه بأنه كان إنجازاً مهماً في توطيد الأمن والاستقرار العالميين.
- أظهرت ردود الأفعال داخل أمريكا أن خطاب ترامب قد أثار حفيظة الكثير من النواب الجمهوريين فضلاً عن الديمقراطيين الذي يعارضون استراتيجية الرئيس الأمريكي تجاه إيران وخصوصاً ما يتعلق بالاتفاق النووي.
- كان الكيان الصهيوني والسعودية في مقدمة المرحبين والمصفقين لخطاب ترامب كما كان متوقعاً.
فالسعودية التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية والتي منيت بهزائم مرّة من إيران ومحور المقاومة في المنطقة وجدت في خطاب ترامب فرصة للتنفيس عن أحقادها ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
كما أراد الكيان الصهيوني من خلال دعمه لخطاب ترامب أن يغطي على هزائمه المتتالية على يد محور المقاومة الذي تدعمه إيران بقوة في المنطقة.
كما دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي خطاب ترامب لأنه يسعى لإشعال حرب في المنطقة ضد إيران وتوريط أمريكا في هذه الحرب من أجل التعويض عن خسائره وهزائمه في المنطقة.
ولكن جميع القرائن والشواهد تدلل على أن وقوع مثل هذه الحرب بعيد عن تصورات وأماني السعودية والكيان الصهيوني. ومن هذه الشواهد والأدلة يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- خشية أمريكا من ردود أفعال محور المقاومة في عموم المنطقة خصوصاً بعد الانتصارات التي حققها على الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" في العراق وسوريا.
- عدم وجود إجماع دولي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران كما حصل مع العراق عام 1991، بل يعتقد جميع المراقبين بأن أمريكا ستواجه معارضة شديدة من قبل المجتمع الدولي في حال إطلاق شرارة الحرب ضد إيران.
- عكس خطاب ترامب أن النزعة التجارية والاقتصادية هي التي تتحكم بمواقفه وتصريحاته. ومثل هذا المنطق لايتمكن أبداً من التفكير بدخول الحرب لأنه قائم على الربح والمصالح فقط والخشية من الضرر المادي، وهذا ما ثبت بالدليل القاطع خلال الأزمة الجارية بين أمريكا وكوريا الشمالية.
- إعلان فرض عقوبات جديدة على حرس الثورة الإسلامية في إيران من قبل ترامب يعكس بوضوح مدى ضعفه أمام هذه القوة التي استطاعت دحر الإرهاب في المنطقة والتي كان ترامب ينوي وضعها على لائحة الإرهاب في الأساس لكنه تراجع في خطابه عن هذه الخطوة مكتفياً بإعلان العقوبات، وهذا ليس بالأمر الجديد.