الوقت- على وقع التهديدات السعوديّة بتغيير النظام في قطر، وفي حين كانت المعارضة القطرية تستعد لعقد مؤتمرها في لندن بدعم سعودي غير مسبوق، توجّه أمير قطر تميم بن حمد في زيارة إلى أنقرة وهي الأولى إلى خارج البلاد منذ بِدء الأزمة الخليجيّة التي دخلت المئة الثانيةّ بعد كسرها لحاجز المئة يوم من عمرها.
لم تكسر الأزمة الخليجية حواجز الأيّام فقط، بل كسرت معها حواجز حمراء سعت الدول الخليجية لرعايتها منذ تأسيس مجلس التعاون في ثمانينات القرن الماضي، والمتمثّلة بورقة إسقاط الأنظمة، خاصّة أنّه في كل دولة من الدول معارضة، ومن أجنحة العائلة الحاكمة.
حملت زيارة الأمير تميم إلى أنقرة،وهي الأولى منذ بدء الأزمة الخليجية، سيتوجّه بعدها إلى ألمانيا، رسائل عدّة للجانب السعودي الذي هدّد قبل يوم واحد في الجامعة العربية بقدرته على تغيير النظام في قطر، مذكّراً بحادثة التسعينيات عندما أرادت السعودية وبعض الدول الخليجية تغيير النظام حينها.
وبالتالي، أراد تميم من خلال هذه الرسالة تأكيد ما قاله المندوب القطري في الجامعة العربية، وزير الدولة للشؤون الخارجيّة، سلطان بن سعد المريخي "منت بقدها" وهي العبارة التي تحوّلت إلى حملة إلكترونيّة قطريّة للتعبير عن الاعتزاز بالموقف الرسمي القطري وصمود البلاد، بعد أكثر من مائة يوم على الحصار.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل ستأخذ قطر من اليوم فصاعداً زمام المبادرة للردّ على الخطوات السعوديّة، وتحديداً تبنّي القيادتين السعوديّة والإماراتيّة للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، كأمير بديل، وهو ما قالته المعارضة؟.. الإجابة تكم في عدّة نقاط:
أوّلاً: إن رحلة الأمير القطري الخارجيّة تعدّ صفعة أولى للتهديدات السعوديّة، وترسيخاً لمضيّه في المواجهة مع دول الحصار حتى ينقطع نفس أحد الطرفين او يتراجع الطرف المقابل، وهو ما يبدو بعيداً في الظروف القائمة. هذه الخطوة ستستتبعها قطر بخطوات أخرى تعزّز الأوراق القطرية في المواجهة.
ثانياً: هناك أوراق قطرية عدّة يمن استخدامها في الردّ على الخطوات السعوديّة كدعم المعارضة السعودية واللعب على وتر الخلافات القائمة في المملكة. دعم حراك 15 سبتمبر وهذا بالفعل ما لمسناه على قناة الجزيرة، إضافةً إلى انتاج وثائقيات تتعلّق بالعائلة الحاكمة على شاكلة وثائقي قناة البي بي سي البريطانيّة. الواضع العائلة السعودي يشكّل فرصة ذهبية لقطر في الردّ على دعم السعودية للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني الذي سمّته المعارضة القطرية بالأمس في لندن حاكما بديلا لقطر.
ثالثاً: وأمّا فيما يتعلّق بالعائلة الحاكمة في قطر فالأمر مختلف، تماماً كما هو الأمر على الصعيد الشعبي. فقد أتقن الأمير القطري إدارة الأزمة في الداخل على أنّها تسعى لكسر هيبة قطر، وليس الأمير فحسب، ما ولّد شعوراً لدى شريحة واسعة من الشعب القطري بأنهم مواطنون خليجيون من الدرجة الثانية، الأمر الذي عزّز وقوفهم إلى جانب الأمير تميم الذي يصفونه بـ"تميم المجد". في الحقيقة، ساعدت الإجراءات السعوديّة المتهوّرة، وكذلك الهجمة الإعلاميّة على قطر،ساعدت الأمير تميم في إقناع الشعب القطري على أنها مسألة "كسر عظم" للشعب القطري".
رابعاً: في السياق ذاته، يبدو ان المؤتمر رسم صورة سلبية عن المعارضة القطرية لدى غالبية الشعب القطري، فتسليطها للضوء على ملف تنظيم كأس العالم لسنة 2022، بغية سحبه من قطر، كما حاولت السعوديّة سابقاً، بالتأكيد لن يكون موضع رضى للشعب الذي يتوق إلى استضافة هذا الحدث العالمي، كحال كافّة شعوب العالم. قطر ستكون أول دول عربية تستضيف هذا الحدث، فكيف لمعارضة تدّعي أنها قطرية تسعى لسلب هذا الحدث؟، يتساءل أحدهم.
خامساً: المعارضة القطرية وصفت القاعدة التركيّة بالاحتلال العسكري, لست هنا في وارد دعم الحضور التركي أو مهاجمته، ولكن من حقّنا أن نسأل، ماذا عن القاعدة الأمريكية، ولماذا لم تصفها المعارضة بالاحتلال، وما هذه الازدواجيّة؟ وماذا عن بقيّة القواعد الأمريكية والغربية في الدول الخليجية؟
سادساً: ليس بعيداً عن الشعب القطري، فإن نجاح الحكومة في كسر الحصار عبر وسائل عدّة منها انشاءعدّة مسارات تجارية لتأمين الإمدادات الغذائية، حدّ من أي تاثير يذكر للحصار في تأليب الشعب على الأمير، لذلك عمدت قطر إلى الوقوف بصلابة وعدم تقدير أي جملة من التنازلات فيما يتعلّق بأي من المطالب الـ13، لتردّ بالقول: نحن لن نتنازل عن سيادة الدولة واستقلالها، سواء لدول الحصار أو لغير دول الحصار.
يبدو ان مؤتمر لندن سيكون نفعه للنظام القطري أكثر من ضرّه، وبالتالي سينعكس سلباً على ما أرادته السعوديّة من مستقبل قطر "بلا تنظيم الحمدين"، كما أعنت المعارضة القطرية.