الوقت- لقد أوجد ترامب منذ توليه الرئاسة الأمريكية، مناخا جديدا داخل الولايات المتحدة وخارجها. فمن ناحية يرجع جزء من ذلك إلى شخصيته غير المتزنة والتي لا يمكن التنبؤ بها وعقليته التجارية ومن ناحية أُخرى يرجع ذلك إلى قلة خبرته وخبرة فريقه الحكومي في القضايا السياسية.
الجدير بالذكر هنا أنه ليس بالضرورة أن يكون رئيس الجمهورية محامي أو محلل سياسي أو مهندس أو أن يكون على علم بكل شيء ولكن من الضروري أن يكون صاحب نظرة عميقة وشاملة ومطلع بجميع الأمور السياسية على الصعيد المحلي والدولي. ويمكن رؤية علامات هذا النوع من السلوك في سياسته التي ينتهجها فيما يخص القضايا السياسية للولايات المتحدة وهذه النظرة نفسها وهذا السلوك جعلاه يقوم بانتهاك وعدم تقبل السياسة القديمة. فلقد كان واحدا من المعارضين لـ"أوباما" وكان ينتقده بشدة.
لقد أوجد ترامب الكثير من التحديات والإشكالات في الاتفاقيات الأميركية السابقة، وفي بعض الأوقات، كان ينسحب ويُلغي تلك الاتفاقيات من دون دراسة العواقب المترتبة على ذلك الانسحاب. فمن تلك المعاهدات والاتفاقيات التي قام ترامب بإلغائها "اتفاقية باريس فيما يخص البيئة والمعاهدة السياسية مع كوبا والاتفاق التجاري مع الصين وكوريا الجنوبية".
تجدر الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تُعد إحدى الدول التي لا تقتصر مصالحها الوطنية على حدودها الإقليمية، بل تمتد إلى آلاف الأميال وتصل إلى منطقة الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية، ولهذا فإن لديها معاهدات واتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف في كثير من المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والبيئية و... مع العديد من بلدان العالم. فعضوية هذا البلد في منظمة التجارة العالمية "دبليو تي أو" وتحالف الناتو ومعاهدة باريس البيئية واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي "تي بي بي"، هي أمثلة على عضويتها في مختلف المنظمات الإقليمية والدولية.
لقد كان أول عمل يقوم به ترامب ليفي بوعوده الانتخابية، هو انسحاب أمريكا من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي "تي بي بي"، حيث وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية، بأنه سيقوم بإلغاء هذه الاتفاقية واصفاً إیاها أنها "قاتلة لفرص العمل" وبأنها "تنتهك المصالح الأمريكية". وفي سياق متصل قام ترامب بإلغاء اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي والانسحاب من "وكالة حماية البيئة" وامتنع عن دفع مليارات الدولارات للأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي في العالم.
من ناحية أُخرى تُعد معاهدة الناتو العسكرية واحدة من المعاهدات الأخرى التي انتقدها ترامب بشدة وقال إن مثل هؤلاء الحلفاء في حلف شمال الأطلسي "لا يسددون ما عليهم من أموال" ويجب على هؤلاء الحلفاء إما دفع ما عليهم من أموال أو الانسحاب من هذا الحلف. وفي سياق متصل يعتقد ترامب بأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" التي أُبرمت بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، بأنها تضر بالمصالح الأمريكية وتصب في صالح تلك الدولتين، ولهذا فقد تحدث عن إلغاء أو إعادة التفاوض على هذه الاتفاقية، حيث كتب على موقعه في تويتر: "من الصعب جدا التفاوض مع المكسيك وكندا وربما سيكون من الأفضل إلغاء هذه الاتفاقية".
ومن ناحية أُخرى أعلن دونالد ترامب، بأنه سوف يقوم بإلغاء الاتفاقية التي تم التوقيع عليها مع كوبا في نهاية عام 2014، حيث قال: "إن خفض القيود المفروضة على السفر إلى كوبا، سوف يصب في مصلحة الحكومة الكوبية وليس في مصلحة شعبها. وتجدر الإشارة هنا أن الحكومة الأمريكية السابقة وقعت على هذه الاتفاقية مع كوبا دون حصول الأخيرة على أي شيء في المقابل.
إن التهديد الأمريكي بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية يمثل تحدياً آخر أوجده ترامب وفي هذا الصدد، أكد ترامب على إلغاء جميع الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف وإبرام اتفاقيات ثنائية بدلا عنها. ومن ناحية أُخرى وعد بالتعامل الصارم مع الشركات التي تخلق فرص عمل في بلدان أخرى ومن ثم تقوم بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة.
لقد اثرت تهديداته هذه أيضا على الاتفاقيات التجارية الأمريكية مع الصين وكوريا الجنوبية. وفي هذا الصدد، أشار ترامب إلى أن تلك الشركات الأمريكية التي نقلت أنشطتها الإنتاجية إلى خارج الولايات المتحدة، ستخضع لضرائب الاستيراد بنسبة تصل إلى 30٪ من سعر البضاعة. وتُشير هذه التصريحات التي اطلقها دونالد ترامب حول العديد من القضايا العالمية والإشكالات التي عبر عنها في هذه الاتفاقيات، إلى أن العالم سيشهد بداية موسم جديد في السياسة الخارجية الأمريكية.
ولكن يجب القول بأن هذا النهج الذي يتبعه ترامب يعود إلى شخصيته التجارية التي تهتم بالأعمال المالية. ونظرا لنظرته التجارية هذه، فهو لا يستطيع أن يقوم بتحليل قضايا العالم المختلفة بشكل جيد وتجدر الإشارة هنا أن هدفه الرئيسي هو عدم الانسحاب من الاتفاقيات، لكنه يحاول إعادة النظر فيها لكي يكسب المزيد من المنافع وقد يكون لهذا النهج مصلحة قصيرة الأجل بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن على المدى الطويل سوف تكون له تبعات خطيرة عليها.