الوقت- عندما تجتمع دمشق والقاهرة من جديد لابد أن تغار دولا بأكملها من ذلك وتعد العدة لانتظار ما سيتمخض عن تداعيات هكذا لقاء حاولت الكثير من الدول والأنظمة وبعض الأحزاب أن تحول دون حدوثه، فكيف إذا كان اللقاء نابع من رغبة شعبية مثلها أكثر من 104 شخصيات عامة تنوعت بين كتاب وسياسيين وأعضاء في مجلس النواب، طالبت بضرورة إعادة التمثيل الدبلوماسي بين مصر وسوريا بشكل كامل.
هذه المطالبة الشعبية بإعادة العلاقات المصرية- السورية إلى مسارها الطبيعي ليست بالغريبة عن أبناء مصر وحتى قيادتها السياسية لأن العلاقة التي تجمع البلدين ليست وليدة اللحظة ولا تحكمها أزمات عابرة أو أنظمة مارقة، فالشعبين يجمعهما حضارة مشتركة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ولهما تاريخ مشترك في الدفاع عن وحدة الأمة العربية وأمنها القومي ابتداءا من معركة مرج دابق إلي حرب 73، وفي كثير من الاحيان كانت العلاقة بينهما تصل إلى حد الوحدة السياسية الكاملة وهذا ما حدث بالفعل عدة مرات، فضلا عن العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري الذي يجمعهما منذ مئات السنين والذي وصل قبل بدء الأزمة السورية واشتداد وطيسها إلى ملياري دولار.
مصر ومعركة الدفاع عن سوريا
كما ذكرنا آنفا ليس غريبا على الشعب المصري أن ينتفض في وجه كل من تسول له نفسه اللعب بدماء السوريين أو تعريض أمنهم للخطر، كون المصريين يعون جيدا أن أمن مصر من أمن سوريا وأن من يهاجم أبناء سوريا ويسفك دمائهم تحت أي مسمى سيفعل ذلك مع أبناء مصر وهذا ما حدث بالفعل، حيث شهدنا جميعا وصول الإرهاب إلى عمق الأراضي المصرية وتهديد حياة المدنيين من قبل جماعات تحمل فكرا إقصائيا تكفيريا لكل من لا يتماشى مع أفكارها الرجعية، وجميعنا يذكر عندما صب الشعب المصري جام غضبه على الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان الذين تآمروا على أمن سوريا وقدموا الدعم لبعض الفصائل المسلحة التي عاثت فسادا في الأراضي السورية، لكن قادة القوات المسلحة المصرية رفضوا بالإجماع سياسة الرئيس المعزول محمد مرسي في هذا الشأن.
ولم يكتفي أبناء مصر بدعم الشعب السوري إعلاميا بل شاركوه فرحته في افتتاح معرض دمشق الدولي بعد ستة سنوات على إغلاقه بسب الحرب الهمجية على سوريا، حيث شاركت مصر بالإضافة إلى 23 دولة أخرى في فعاليات المعرض بوفد ضخم وجناح كبير احتل ساحة العرض الأولي وأسهمت فيه أكثر من 30 شركة مصرية، رأسه السيد أحمد الوكيل رئيس اتحاد غرف التجارة المصرية ولقي ترحيبا رسميا قويا، وأشاد وزير الخارجية السوري وليد المعلم ببراعة بهذا الدعم المصري قائلاً "إن حجم الوفد يعكس رغبة إخواننا المصريين في تعزيز العلاقات بين دولنا".
كما لقي الوفد المشارك حفاوة شعبية واسعة، خاصة أن الوفد المصري ضم مجموعة رائعة من الفنانين المصريين في مقدمتهم إلهام شاهين ومحمد صبحي اللذان نجحا في توصيل رسالة ود وتضامن إلي الشعب السوري، أكدت عمق العلاقات بين الدولتين المصرية والسورية وعبرت عن قوة التضامن مع الشعب السوري منذ أن تصاعدت حدة الأزمة خلال ذروة الحرب الأهلية، إلي أن وصلت سوريا إلي مشارف الأمن والاستقرار، والقاهرة تؤكد، علي مدار الساعة، التزامها الراسخ بوحدة الدولة والأرض السورية، وتحث كل الأطراف علي الإسراع بجهود التسوية السلمية وإنقاذ الشعب السوري الشقيق من هذا الوضع الكارثي غير الإنساني الذي يدين المجتمع الدولي بأكمله.
الحكومة المصرية تشارك شعبها الدفاع عن سوريا
لم يقتصر الدعم المصري لسوريا على المستوى الشعبي بل تعداه إلى المستوى السياسي على أعلى مستوى، فقد صرح الرئيس المصري محمد عبد الفتاح السيسي عدة مرات بأن " مصر تدعم الجيوش الوطنية في حل الأزمات في المنطقة والحفاظ على الأمن"، وهذا الكلام دليل دامغ على دعم الرئيس المصري للرئيس السوري بشار الأسد وجيشه البطل، وقال السيسي مرارا أن "الأسد جزء من الحل" في سوريا، وخلال الأزمة السورية وبعد استلام السيسي رئاسة جمهورية مصر العربية حدثت عدة لقاءات برعاية السيسي بين مدير المخابرات المصرية ونظيره السوري علي مملوك في القاهرة حدث آخرها في تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
وبحسب صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية فإن الرئيس السيسي يفضل بقاء بشار الأسد في السلطة خشية من أن تنهار سوريا وستكون لهذه القضية عواقب وخيمة محتملة على مصر، وأضافت الصحيفة"وحتى وقت قريب لم تكن رؤية السيسي محط استقبال لدى السعودية، التي طالبت القاهرة بضرورة التوافق مع موقفها بأن رحيل الأسد شرط مسبق لأي حل سياسي ودبلوماسي".
الجيش السوري البطل
لا يمكننا إغفال دور الجيش السوري ومقاتليه الشجعان في الحفاظ على وحدة تراب بلادهم ومنع تقسيمها ورفض أي حركة إنفصالية مهما كانت أسبابها، هذا الدفاع المستميت عن وحدة سوريا وأمنها جعل العدو قبل الصديق يحترم هذا الجيش البطل الذي استطاع كسب معركة حلب وإجلاء داعش عن محافظات درعا وحمص وحماة ومنطقة تدمر الأثرية مرتين، واستعادة المزيد من الأرض السورية التي كانت تحتلها داعش، فضلا عن تقدمه الحثيث في محافظة دير الزور ووصوله إلي مشارف عاصمة المحافظة بعد حصارها استعدادا لاقتحامها علي ثلاثة محاور رئيسية، هذا الأمور وغيرها شكلت العامل الأهم في تغيير الوضع في سوريا.