الوقت- التضامن العربي والدفاع العربي المشترك هما العنوان الابرز اللذين رافقا أغلب الإجتماعات التي عقدتها حكومات الدول العربية منذ سبعين عاما حتى يومنا هذا، وهي العناوين نفسها التي فشلت الحكومات في تحقيقها لتبقى الإتفاقيات مجرد كلام وتأييد لفظي وصيغ تزيين التصريحات والخطابات الجماهيرية، وبالتالي لم يكن هناك أي مفعول جدي للقرارات المتخذة، باستثناء تلك المتعلقة ببعض الشؤون الإجتماعية أو الصحية أو التعليمية أو ما يشبهها. أما الشؤون السياسية والقومية والدفاع المشترك وحماية الأمن القومي العربي، فلم يتخذ قرار واحد جدي وينفذ، سواء اتخذه مجلس الجامعة أم الرؤساء، باستثناء قرارات وزراء الداخلية العرب لما لها من علاقة بأمن الأنظمة السياسية.
آخر هذه الجلسات، كان مؤتمر القمة العربية الذي عقد نهاية الشهر الماضي في مصر بهدف إتخاذ قرار يقضي بتشكيل قوة عربية مشتركة، هدفها المعلن حماية الأمن القومي العربي، على أن يحدد رؤساء الأركان العرب سبل تشكيل هذه القوة وأساليب عملها وتمويلها وهيكليتها وقيادتها ومقرها وطرق تدخلها لتأدية المهمات الأساسية التي تشكلت من أجلها. وفي ملاحظة لما توصلت إليه القمة العربية يمكن ملاحظة مجموعة من النقاط الأساسية ندرجها كالتالي:
1 - المشاركة إختيارية، حيث يعود الأمر في المشاركة لكل دولة عربية، وهو ما يشير بدلالته إلى أن هذه القوة ليست صلبة منسجمة، وبالتالي يوضح مدى الشرخ والتباين بين هذه الحكومات العربية.
2 - تدخل القوات المشتركة يتم بموافقة من السلطة السياسية في البلد، وهو ما مدلوله أن التدخل إنما يأتي بهدف إنقاذ سلطة قائمة أو نظام قائم، وبمعنى آخر هو تدخل لحماية النظام أو السلطة من انتفاضات داخلية أو ثورات داخلية بحجة مواجهة الإرهاب.
3 - التدخل لمواجهة أي ثورة أو انتفاضة يعني حماية هذه الأنظمة وإبقائها كما هي حاليا من دون تغيير أو تطوير، ودعم ممارساتها القائمة ومعاييرها مهما كانت متناقضة مع معايير الدولة الحديثة وخاصة معايير الحرية والديمقراطية.
4 - دعوة واضحة وصريحة للتدخل في الشؤون الداخلية، ذلك أن بإمكان أي نظام أن يزعم أن المطالب الشعبية أو الانتفاضات أو الثورات هي أعمال إرهابية وبالتالي تستحق التدخل، وهو تبرير لكل عمل تقوم به بعض الدول العربية كالسعودية من تدخلها العلني في شؤون ومطالب الشعب البحريني.
5 - الكيان الإسرائيلي الغاصب لأراضٍ عربية من فلسطين إلى الجولان والجزر السعودية الثلاث وغيرها، فأين الكيان الإسرائيلي من هذه القوات؟ أوليس هذا الكيان يعد المهدد الرئيس للامن القومي العربي؟ وإن كان تشكيل هذه القوات يعبر عن نية حقيقية لمواجهة أي خطر يهدد السلم العربي، ألا تعد المجازر بحق الشعب الفلسطيني التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي تهديدا يواجه الأمة العربية والإسلامية؟
6 - الدعم الذي تلقاه جماعات التكفير والقتل من حكومات عربية وبشكل علني ومكشوف، هل يعبر عن نية صادقة للتصدي للخطر الذي يهدد الدول العربية؟ والمجازر اللاإنسانية التي ترتكب بحق الشعوب وهدم القبور والمقدسات ونهب الآثار، الا يعد كل هذا تهديداً للأمن القومي العربي؟
7 - الإعتداء على الشعب اليمني وقصف المستشفيات والمدارس ومنع إيصال المعونات والمساعدات الإنسانية، أين القوات العربية المشتركة من كل ما يحدث في اليمن وعلى الشعب اليمني؟
ليس الحديث في حاجة البلدان العربية لقوات عربية مشتركة تحميها، بل إن بلداننا العربية بحاجة حقيقية إلى قوة قادرة على ردع العدوان الخارجي، فالعراق في عام 2003 كان أحوج ما يكون لقوات رادعة تقف أمام الغزو الأمريكي وتقف أمام الإجراءات التعسفية لنظام صدام حسين، وهي اليوم أكثرها حاجة للوقوف أمام الفكر التكفيرى من تنفيذ مخطط الغرب في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وهي واجب ضروري كان ولا زال للوقوف أمام الكيان الإسرائيلي لمنعه من غصب فلسطين ومقدسات المسلمين فيها، لكن ما يبدو أن دوافع مؤتمر القمة، كانت تتجه لحماية الأنظمة القائمة من انتفاضات شعوبها أكثر من اهتمامها بالأمن القومي. ولذلك قرر المؤتمر بسرعة، على خلاف العادة، تشكيل هذه القوة، لأن الخلفية بذهن الرؤساء لا تتجاوز قمع الحركات الداخلية، كي تستطيع الأنظمة السياسية القائمة حماية نفسها من حركات الداخل وانتفاضاته ومطالبه، وتحتمي بهذه القوة العربية المشتركة وتستقوي بها ضد أي محاولة لإسقاطها. وبناءً عليه، فإن الرؤساء العرب بقرارهم هذا إنما كانوا يهدفون إلى إبقاء الحال القائم كما هو إلى أمد بعيد، وتجنب حدوث ما حدث منذ أربع سنوات أي تجنب أي ربيع عربي جديد.