الوقت- تتوالى التحذيرات الصينية للرئيس الأمريكي "المتهوّر" دونالد ترامب. فبعد تحذير الرئيس الصيني"شي جين بين" لترامب في وقت سابق من "التحركات الانعزالية التي قد تشعل حربًا تجارية غير مجدية، بعد أن وعد الأخير بفرض قيود جمركية تستهدف الصادرات الصينية"، جدّد بين تحذيره لنظيره الأمريكي من "عوامل سلبية" تؤذي العلاقات بين البلدين.
التحذيرات الجديدة تنوعّت أسبابها، إلا أنّها صبّت في بوتقة تأزيم العلاقات بين البلدين بدءاً من المناطق المتنازع عليها وخصوصًا بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان ومنطقة التبت، وليس انتهاءً بمحاولات تأجيج الصراع بين الصين وجيرانها سواء في كوريا الشمالية أو إندونيسيا.
مغامرات أمريكية
كثيرة هي الملفّات العالقة بين البلدين، فبعد الأزمة الكورية التي فشلت فيها أمريكا بالضغط على كوريا الشمالية لإيقاف أنشطتها النووية والباليستية، وكذلك فشلها في جر بكين إلى مواجهة مع بيونغ يانغ تحقق من خلالها أمريكا أهدافها في المنطقة، عمدت واشنطن إلى استفزاز الأخيرة في مبدأ "الصين الواحدة" وذلك بعد موافقة ترامب على صفقة بـ1.3 مليار دولار لبيع أسلحة إلى تايوان.
لم تتوقّف المغامرات الأمريكية عند هذا الحد، ففي حين فرضت واشنطن عقوبات على مصرف صيني، بسبب تعامله مع كوريا الشمالية، أبحرت مدمرة أميركية ضمن الحدود البحرية الإقليمية لجزيرة في بحر الصين الجنوبي تزعم بكين السيادة عليها، ما دفع بوزارة الدفاع الصينية إلى أن تنبيه واشنطن من إلحاقها ضرراً جسيماً بالسلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي بسبب هذا "الاستفزاز السياسي والعسكري الخطير"، وذلك بعد إرسالها سفناً حربية ومقاتلات إلى الجزيرة.
وبين التوتّر العسكري، والمواجهة الاقتصادية، خطت واشنطن خطوة جديدة على صعيد المواجهة السياسية حيث عمدت وزارة الخارجية الأمريكية إلى منح الصين درجة متدنيّة في تقريرها الأخير حول الاتجار بالبشر.
أدرك الجميع وجود التباين بين البيت الأبيض والخارجية الأمريكية من جهة، والبنتاغون والمؤسسة العسكرية الأمريكية من جهة أخرى، في أكثر من ملف عالمي (قضايا الشرق الأوسط والعلاقة مع روسيا والأزمة الأوكرانيّة)، وفي أكثر من حقبة (بدءاً من أوباما وليس انتهاءً بترامب)، إلا أن هناك قناعة في واشنطن على محاصرة العملاق الصيني وإشغاله على حدوده. هذه القناعة العسكرية الراسخة من زمن، وإن كان واشنطن حذرة لأسباب تتعلّق بقدرات بكين، تعزّزت اليوم مع وصول رئيس تاجر إلى البيت الأبيض يرى في الاقتصاد الصيني تهديداً استراتيجياً له يجب التغلّب عليه.
اذاً، يبدو واضحاً أن واشنطن تسعى لمواجهة بكين على كافّة الصعد، وهذا ما بدا واضحاً في استراتيجية الارتكاز الآسيوي" (( AsianPivot التي أعلنها الرئيس بارك أوباما في العام 2011، والذي بمقتضاها تصبح منطقة شرق آسيا المنطقة ذات الأولوية الأولى للسياسة الأمريكية عالميًا، الأمر الذي يؤسس لانسحاب القوات الأمريكية تدريجيا باتجاه محاصرة العملاق الصيني.
هذه الخلاصة يمكن قراءتها أيضاً، وبشكل أوضح، في أهم دوائر صنع القرار الأمريكي، فقد حذّرت إحدى اللجان البرلمانية (لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأمريكية - الصينية، التابعة للكونغرس الأمريكي) من التنين الصيني وقدراته المتنامية التي وصلت إلى الحد الذي أقلق الإدارة السياسية داخل البيت الأبيض، داعيةً إلى استخدام خطة ثلاثية الأبعاد تهدف إلى تطويق هذا النفوذ ومواجهته سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
وعند البحث في السيناريوهات والاحتمالات، لا مجال لتراجع الصين، بل ستمضي في المواجهة، كما أنّ واشنطن وان تراجعت إعلامياً عن مغامراتها مع بكين، ستمضي في سياسة تطويق العملاق عبر كافّة الملفات الممكنة. اليوم، واشنطن ستستخدم أي توتّر مع أيّ دولة لتجيّره لصالحها ليس آخره التوتّر بين الهند والصين بسبب اتهام الأخيرة للأولى بانتهاك اتفاق حدودي أبرمته لندن مع بكين عام 1890، وتعهدت الحكومات الهندية السابقة احترامه.
عوداً على بدء، هناك قناعة صينية راسخة تجاه واشنطن تتلخّص بأمور عدّة وعلى أكثر من صعيد، أوّلاً تشجيع جيرانها سرّاً لإيجاد توتّر بغية احتواء الصعود الصيني. ثانياً فرض قيود اقتصاديّة على الشركات الصينية. ثالثاً عرقلة تعزيز قدرات بكين العسكرية ومضايقات عسكرية سواءً بشكل مباشر، أو عبر الصفقات والمناورت والقواعد العسكرية مع جيران الصين.
يبدو أن العلاقات بين الأمريكية الصينية تتجه إلى المزيد من التأزّم، رغم بعض التفاهم "الإعلامي" بينهما فيما يخص الأزمة الكورية، ولكنّ واشنطن تعي جيّداً أن العملاق الصيني ليس باللاعب السهل، عسكرياً واقتصاديّاً، وبالتالي إن أي خطوة غير محسوبة التبعات من قبل إدارة ترامب قد تؤدي إلى إشعال حرب عالمية ثالثة.
في الخلاصة، نعتقد أن العلاقات بين البلدين ستبقى على حالها، أي أنّها تأخذ طابع المدّ والجزر، أو المدّ المجزور، لو صحّت تسميتها بذلك، لأنّ نتائج أي مواجهة عسكري أو اقتصاديّة ستكون كارثيّة على الجانبين، بل على العالم بأسره. لن تصل العلاقة إلى طريق مسدود، وإن أوحت التطوّرات بطريق شبه مسدود، بل إن الباب سيبقى مورباً، فلا مواجهة، ولا شراكة، بل منافسة حتّى ينقطع نفس أحد أطرافها.