الوقت - اعتاد الأكراد على تجيير التناقضات الإقليمية لصالحهم. فالسياسة الكردية اتسمت منذ عقود خلت بالتلطّي تحت شعارات وطنية، لتنقضّ على فريستها السياسية مع بروز أي تناقض إقليمي يخدم القضيّة الكرديّة.
من العراق، مروراً بتركيا ووصولاً إلى سوريا، حاول الأكراد استغلال التطوّرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مطلع العام 2011، بما يخدم مشاريعهم الانفصاليّة في المنطقة، الأمر الذي دفع بهم لانتهاج سياسات عدوانيّة تجاه جيرانهم العرب والتركمان في المناطق التي حرّروها بشجاعة من تنظيم داعش الإرهابي من ناحية، واستغلال التطوّرات السياسيّة للتصويب على أعداء القضيّة الكردية، وفي مقدّمتهم أردوغان، من ناحية أخرى.
آخر هذه التطوّرات تمثّلت في الموقف الذي أعلنه الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، صالح مسلم، الذي هاجم قطر وتركيا وإيران وسوريا، ما اعتبره البعض تحوّلاً جذرياً في موقف الحزب الكردي الذي تربطه علاقات بإيران وسوريا.
مسلم الذي اتهم إيران بمعاداة الأكراد في حقوقهم الأساسية، أكّد في حديث لصحيفة الرياض أن حزبه ليس له أي علاقات بإيران، متحدّثاً عن تحالف قائم بين إيران وقطر.
لم يقتصر كلام مسلم على هذا الشقّ، بل عمد إلى التصويب على تركيا وقطر، مؤكداً في إطار تقييمه للدور التركي والقطري في المنطقة، أنّ الأول منفذ والثاني ممول، يقومان بتسخير أدوات خارجة عن العصر لا تعرف القيم الإنسانية ولا معاييرها، تأتي على الأخضر واليابس وتحاول فرض الظلمات والظلام والظلم على كل بقعة تطالها أيديها".
لا يمكن فصل الموقف الكردي عن الأزمة الخليجية حيث عمد مسلم إلى التسبيح بحمد السعودية بغية تحقيق جملة من الأهداف، نذكر منها:
أوّلاً: حاول الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي استغلال الخلاف الخليجي لفتح خط علاقات مع الرياض عبر التصويب على قطر وايران على حد سواء، وكذلك تركيا بسبب موقفها الأخير من الأزمة الخليجية. هذا الموقف دفع بالبعض للتساؤل هل باتت نظرة الأكراد، حلفاء أمريكا، شبيهة لنظرة ترامب إلى السعودية، في إشارة إلى وصف ترامب للرياض بالبقرة الحلوب؟ وما هو الثمن الذي قبضه مسلم مقابل هذا الموقف السياسي؟
ثانياً: لا تستند هذه المواقف إلى أسس واضحة، ولعلها تعبير انفعالي من كلا الطرفين، الأكراد لكسب الودّ الاقتصادي للسعودية، في المقابل تستخدم الرياض ورقة الأكراد للضغط على أعدائها في الأزمة الخليجية. وبالتالي، لا يمكن التعويل بشكل جدّي من قبل كلا الطرفين على الآخر.
ثالثاً: ادعى مسلم علاقات كرديّة مع العشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية مشيراً إلى أن الكرد يتشاركون مع العشائر العربية السراء والضراء منذ قرون. هذا ما عرفناه عن أكراد سوريا حتى قبل بضع سنوات، ولكن ما هو موقف الأكراد من عمليات التهجير التي يقدم عليها مسلّحون أكراد بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من مناطق عدّة؟ بعض التقارير تحدّثت عن قتل وتشريد العديد من سكان المناطق الناجين من بطش داعش، فهل من ينجو من فخّ داعش عليه أن يقع في الفخّ الكردي؟ بالطبع، لا نحمّل مسلم مسؤولية هذه الحوادث، إلا أن هناك مليشيات كردية تستخدم أسلوب التهجير لتحقيق أحلام الانفصال في كردستان الكبرى، فما هو موقف الديموقراطي مسلم منهم؟
رابعاً: لا ندري الأسس التي يعتمد عليها مسلم، والكثير من الأكراد، في استعداء كافّة الدول المحيطة بهم العراق، تركيا، سوريا وايران. ولسنا في وارد الخوض في ادعاءات مسلم تجاه اوضاع الأكراد في ايران، ولكن ينبغي القول إن المصلحة الرئيسية للأكراد تكمن في عيشهم المشترك وعدم اللعب على أوتار التناقض، فالهدف الأمريكي يتمثّل في جعلهم قاعدة متقدّمة، على شاكلة الكيان الإسرائيلي في الشكل، وإن كان هناك اختلاف جوهري في المضمون.
ورقة الضغط الكرديّة
رغم أن لأمريكا المصلحة، عاجلاً أم آجلاً، في تقسيم المنطقة وإنشاء كيان كردي، إلا أنّها حتى الساعة، وبسبب الظروف الإقليمية، لا تزال تستخدم الورقة الكردية لإجبار دول مثل تركيا والعراق على تعديل سلوكها، باعتبار أن الدولة الكردية تعد ملفا فائق الحساسية بالنسبة لأنقرة وبغداد.
وأمّا بالنسبة للدول الخليجية، فلا نعتقد بصحّة الدعم الخليجي لهذا التوجّه بقيام دولة كرديّة، بل هناك جهات تعمل على استغلال الورقة الكرديّة ظنّاً منها أن هذه الورقة قد تمنحها قدرة الضغط على دول عدّة، لا سيما تركيا.
يمكن تلخيص العلاقة الكرديّة الخليجية بالتكتيكية التي تحتكم إلى متغيّرات ظرفيّة لا أكثر، وبالتالي فإن محاولة كلا الطرفين تندرج ضمن محاولات انتهاز الفرص التي تمرّ مرّ السحاب. لا ننكر أنّ لكلا الطرفين أهداف قد تضر بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن أي مشروع انفصال كردي أكبر من الأكراد، السعوديون أو الاثنان معاً.