الوقت- فوز بنكهة الخسارة. عبارة توصّف واقع المحافظين في بريطانيا الذين يعيشون أجواء من خيبة الأمل بعد نتائج الانتخابات لمجلس العموم. فقد أفضت النتائج إلى برلمان معلّق بعد فشل حزب المحافظين في الحصول على الأغلبية المطلقة.
وتأتي خصوصية هذه الانتخابات كونها الأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث ستكون الحكومة الجديدة مسؤولة عن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي للخروج منه، والتي بدورها سترسم مستقبل البلاد المرتقب. رئيسة الوزراء التي دعت إلى انتخابات تشريعية مبكرة أملا بتعزيز غالبيتها في البرلمان (عوّلت ماي على نيل ما بين خمسين ومئة مقعد إضافي)، وإطلاق يدها في مفاوضات بريكست، فقدت 14 مقعد، لتصبّ نتائج الانتحابات في صالح تقويض يديها لا إطلاقها
النتائج
تشير النتائج الأولية لفرز الأصوات في الانتخابات التشريعية المبكرة في بريطانيا إلى أن حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي يتجه للفوز، لكنه يفقد الأغلبية البرلمانية. أي أن الفوز الانتخابي تحوّل إلى هزيمة سياسيّة دفعت بزعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين إلى دعوة رئيس الوزراء تيريزا ماي إلى الاستقالة بعد التراجع الذي سجله حزبها في الانتخابات التشريعية.
في المقابل، اعتبرت ماي أنّ حزبها المحافظ سيضمن "استقرار" البلاد رغم خسارته الخميس الغالبية المطلقة في البرلمان "، وأضافت بعيد إعادة انتخابها في دائرة مايدنهيد (غرب) إنّ "البلاد في حاجة إلى فترة من الاستقرار، ومهما تكُن النتائج سيؤكّد الحزب المحافظ اننا يمكننا تأدية واجبنا وتأمين الاستقرار".
وفي لغة الأرقام نال المحافظون312 مقعدا من مجموع 650 مقعدا في مجلس العموم، وقد فقدوا 14 مقعدا، وبالتالي فشلوا في الحصول على 326 مقعدا اللازمة للأغلبية. في المقابل، نحج حزب العمال المعارض في الحصول على259 مقعدا بزيادة نحو 34 مقعد كأفضل نتيحة منذ عام 1997 عندما ترأس توني بلير الحكومة.
أبعاد ودلالات
بعيداً عن لغة الأرقام، ومع الغوص في لغة الأبعاد والدلالات تشير النتائج إلى جملة من الدلالات المؤسسة لمرحلة مقبلة في المشهد السياسي البريطاني، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: تشير النتائج إلى أنّ الشعب البريطاني غير راض عن سياسيات وتوجّهات حكومة ماي على الصعيدين الداخلي والخارجي على حدّ سواءً، وهذا الأمر سيلقي بظلاله على أيّ حكومة تترأسها ماي. وزير المالية البريطاني السابق، جورج أوزبورن، اعتبر أنّ خسارة رئيسة الوزراء تيريزاماي لأغلبيتها في البرلمان، يعدّ "كارثيا تماما" بالنسبة لها ولحزبها المحافظين. ماي التي طمحت للتعزيز أغلبتيها في البرلمان باتت مجبرة للحديث عن المساواة وعدم إقصاء أي طرف كعنوان للمرحلة المقبلة.
ثانياً: يبدو المشهد السياسي البريطاني المقبل أكثر من معقّد، رغم أنّ مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي تستوجب نوعاً من الحسم. البرلمان المقبل يبدو معلّقاً ورهنا للتحالفات التي قد تبقي على المحافظين في السلطة، كما أنّه من الصعب التكهّن كيف سيشكل العمال تحالفا، فالوضع القائم يتّسم بالكثير من الغموض.
ثالثاً: ما يعزّز هذه الرؤية هو عدم حصول أي حزب على أغلبية النصف زائد واحد التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وبالتالي سيضطر المحافظون إما لتشكيل حكومة أقلية هشة بمفردهم بعد تكليف الملكة للحزب الفائز بتشكيل الحكومة، أو تشكيل تحالف مع حزب أو عدد من الأحزاب، وفي الحالتين فإن المفاوضات ستستمر أسابيع عدة، وهو ما قد يوجه ضربة قاسية لموعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
رابعاً: النتائج الانتخابيّة والتي استغّلها حزب العمّل للتصويب على سياسة التقشّف المتّبعة من قبل الحكومة لم تصبّ في بوتقة الاستقرار الاقتصادي للبلاد، ففور بدء ظهور النتائج الأولية تراجع سعر الجنيه الإسترليني، فقد وصل سعر إلى 1.27 دولار، وهي أضعف قيمة له منذ أبريل/نيسان الماضي.
خامساً: التدقيق في تفاصيل النتائج والمنتخبين تؤكد أن المشهد البريطاني يتّجه نحو تزعّم صدارة حزب العمال للبرلمان في الفترات المقبل في حال استقرّت الأمور على حالها. فقد نجح الحزب وفق بعض استطلاعات الرأي في الحصول على تأييد ثلثي الناخبين بين الفئات الشبابيّة وذلك بعد تقديمه وعود بتوفير التعليم الجامعي بالمجان، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا، بدلاً من سياسة الرسوم الباهظة الحاليّة.
سادساً: لعّل أوروبا هي المستفيد الأكبر من هذه النتائج حيث تسعى أوروبا للضغط على بريطانيا في المفاوضات المقبلة، وبالتالي تحتاج إلى وجود طرف تفاوضي ضعيف يسمح لها بالحصول على أفضل النتائج. وبالفعل، سارعت العديد من الدول الأوروبية إلى دعوة بريطانيا لتشكيل حكومة جديدة والإسراع باستئناف مفاوضات بريكسيت. ماي وفي أوّل خطاب لها بعد النتائج أكّدت أن حكومتها الجديدة ستقود عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مشيرةً إلى أنها بحاجة إلى شراكة جديدة ومن نوع آخر مع الاتحاد الأوروبي.
إذاً، الغموض يعدّ احد عناوين المرحلة المقبلة في المشهد البريطاني الذي يتّسم بنوع من عدم الرضا الشعبي، هذا الغموض لن يروق لأي حليف لبريطانيا، وفي مقدّمتهم أمريكا ، لأن أي قرار حكومي بريطانيا سيكون عُرضة للتعطيل عبر بوابة مجلس العموم المعلّق. يصحّ هنا المثل الشعبي بحق بريطانيا "لا معلّقة ولا مطلّقة" مع أمريكا وأوروبا، على حدّ سواء.