الوقت- قطعت السعودية كافة قنوات الحل مع دولة قطر، وصعدت سياسيا وإعلاميا إلى درجة أرادت من خلالها الإيحاء بقرب إعلان الحرب على قطر، في سابقة خطيرة لم تشهدها العلاقات بين الطرفين رغم مراحل التوتر الكبيرة التي سبق أن مر بها البلدين. حتى وسائل إعلام الطرفين أعلنت حربا شعواء فيما بينها، حربا يستخلص منها المتابع بأن لا عودة إلى قواعد اللعبة السابقة التي كانت حاكمة إلى ما قبل أيام، كما أن مجموعات الضغط والتأثير التي يملكها الطرفان وخاصة في أمريكا لم يألو جهدا في إطار هذه الحرب المعلنة.
تخوض السعودية هذه المواجهة وهي تدرك بأنها قد تؤدي إلى إنهاء ما يسمى مجلس التعاون الخليجي، وقد يكون سبب عدم قلقها على انحلال هذا المجلس ما أقنعت نفسها به بأنها باتت في موقع أكثر قوة وتأثيرا على رأس ائتلاف إسلامي عريض لمواجهة الإرهاب. إذا وعلى الرغم أن الأوضاع لم تصل إلى حد التوتر الذي سبق احتلال العراق للكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه لا إشارات تفاؤل ولو ضعيفة تؤكد منع الأمور من الوصول إلى تلك المرحلة.
أما الأسباب التي دفعت السعودية ومعها الإمارات وبعض الدول الأخرى للخوض في ما أقدمت عليه هو الفشل الذريع إلى اليوم في كافة خياراتها التي وضعتها تحت خانة مواجهة النفوذ الإيراني، من الدعم اللامحدود لأطراف الأزمة السورية إلى العدوان المستمر على اليمن منذ ثلاثين شهرا وصولا إلى محاولات التدخل الهدام في الأزمة العراقية. كلها ملفات أُريد منها تقويض اللاعب الإيراني فكانت النتائج عكسية تماما.
ومن جهة أخرى فإن قطر ومن خلال سياستها المعروفة بالسعي إلى اللعب على كافة الحبال، تمكنت من التوصل إلى علاقات مستقرة مع طهران، علاقات تحت العباءة التركية وبتأييد ودعم روسي، هذا الأمر أغاظ آل سعود الذين يعتبرون قطر إحدى حدائقهم الخلفية التي لا يجب عليها الخروج من عباءتهم مهما حصل.
لعبة خاسر–خاسر
إذا نحن اليوم على أبواب أزمة واقعية بكل ما للكلمة من معنى، أزمة قد تجر المنطقة إلى حرب لن يخرج منها منتصر سوى أعداء الأمة وعلى رأسهم أمريكا والكيان الإسرائيلي.
هذا الأمر يدركه آل سعود جيدا، ولكن كون إسرائيل باتت أحد أقرب الحلفاء في مواجهة إيران فلا ضير عندهم حتى لو احترقت البلاد العربية كلها. وهذا الأمر قد تبلور خلال زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة إلى السعودية، فقد كانت هذه الزيارة والشعارات التي أطلقت خلالها والتي اختتمت بحمل ترامب رسالة من سلمان إلى نتانياهو هي الإعلان الضمني (بانتظار الإعلان الرسمي) عن أن مرحلة عداء إسرائيل قد ولت إلى ما لا نهاية ليحل محلها العداء فقط لإيران.
وبالعودة إلى الإجراءات التي اتخذتها السعودية ومن خلفها الإمارات وبعض أشباه الدول الأخرى، فصحيح أنها ستؤدي لتكبيد خسائر كبيرة لقطر إلا أنها لن تأتي بالنفع على السعودية، إنها لعبة خاسر – خاسر. قطر تحولت اليوم إلى جزيرة لا حدود برية لها بعد قطع المعابر البرية مع السعودية، طبعا المعابر البحرية أيضا والمجال الجوي قد بات محرما على قطر وأسطولها الجوي، وهذا الأمر سيجبر قطر على اللجوء لمنفذها الوحيد إلى العالم أي طهران.
إذا ما أقدم آل سعود عليه جعل المسؤولين القطريين يرتمون بالإجبار في أحضان إيران التي هي أصل المشكلة السعودية القطرية. هذا الأمر سيزيد أيضا من التقارب القطري التركي الذي يخافه السعوديون ولو لم يصرحوا به منعا لأزمة مع أنقرة.
فتشوا عن الرابح الأكبر
في الجهة المقابلة من العالم، لاحظوا أمريكا التي يتربع على سدة حكمها تاجر يقولها علانية "أريد أن أسلب الدول الخليجية أموالهم"، ما الذي قالته إدارة ترامب حول ما يحصل؟.
وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" وخلال زيارته إلى استراليا دعا الطرفين لحل مشاكلهم عبر الحوار، دون أن يقوم الأمريكيون إلى الآن بأي خطوة عملية باتجاه التهدئة وهذا يؤكد على التقاعس المقصود من قبلهم، وكيف لا؟ فالطرفان يسعيان اليوم للتأكيد على العلاقات الاستراتيجية التي تربطهم بواشنطن، عبر دبلوماسييهم ونفوذهم من خلال اللوبيات ومراكز الدراسات التي يقدمون لها المليارات سنويا. ناهيك عن صفقات السلاح والاستثمار المليارية التي قدمها ويقدمها الطرفين، غذا فواشنطن ستلعب دور الابتزاز لكلا الطرفين.
هذا الأمر أكده مسؤول أمني في الكيان الإسرائيلي، حيث قال إن كل ما يحصل من قطع للعلاقات مع قطر إنما يأتي في سياق السياسة الخارجية لدونالد ترامب في الشرق الأوسط.
إذن مرة أخرى، شاؤوا أم ابوا فإن الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية دخلوا مجددا في لعبة المزايدة الأمريكية، لعبة من الحتمي أن أيا من هذه الدول لن يخرج منها رابحا، بل معادلتها معدة بشكل حرفي لتكون نتيجتها خاسر – خاسر للطرفين. طبعا هذا الأمر قد يكون مطمئن من جهة إلى أن أمريكا لن تسمح أن تصل الأمور لحرب عسكرية، ولكن من قال أن الظروف ستساعد على بقاء الأزمة ضمن الحدود المرسومة ولن تتدهور إلى ما لا يطيقه أحد في هذه المنطقة المشتعلة بالأصل.